حول -شائعات- علاقة العمال الكردستاني بالنظام السوري

2012-04-26

 السياسة قوامها المصالح. وفي المصالح، ينبغي ان تكون نسبة الأرباح أكبر من الخسائر والأكلاف. وإذا كانت نسبة الضرر، تفوق الأرباح، ولو بواحد في المئة ، فهذه السياسة فاشلة، وضارّة بالمصلحة، أيّاً كان نوعها، فرديّة أو جمعيّة، حزبيّة أو وطنيّة وقوميّة. ولئن السياسة معترك المصالح، فإنها محرقة الأخلاق.

 

وتختلف نسب حرق الأخلاق بين سياسة وأخرى. فسياسة الأمريكيين والأوروبيّين من الثورة السوريّة، أكيد، أنها مبنيّة على المصالح والصراع على النفوذ. إلاّ أنها تنطوي على قدر، ولو ضئيل من الأخلاق، لكونها تصطفّ مع الضحيّة ضدّ الجلاّد، بحكم المصالح وليس المبادئ. بينما سياسة الروس والصينيين، ومواقفهم من الثورة السوريّة، هي عديمة الاخلاق، بحكم المصالح والمبادئ!. وهذه المقاربة بين سياسات الدول الكبرى المتحكّمة بالقرار الدولي، تنسحب على سياسات أنظمة البلدان الصغيرة، والاحزاب وحتّى الأفراد. ففي السياسة، يمكن أن ينفي أيّ طرف، أيّ شيء، وأيّة تهمة توجّه إليه!. وحين يُطالِب هذا الطرف، بالأدلّة على تلك الاتهامات الموجّهة له، فأنه لا يبدد الشكوك، بل يعززها، ظنّاً منه أن أيّة علاقة سريّة، ومهما طال التكتّم عليها، ستبقى سريّة للأبد!. وقطعاً، هذا ليس من طبائع الامور، بخاصّة في هذه الأزمنة التي نعيشها.

 
النيران، لا تطفئها النيران. والتشكيك، لا يبطله التشكيك. والتخوين لا يُردُّ بمثله. لكن هذا المسلك، متفاقم لدى الكرد، وخاصّة منذ اندلاع الثورة السوريّة. فالكلّ يتهم الكلّ، والكلّ يتستّر على الكلّ!. الحقّ أنها معضلة عويصة الفهم، وعسيرة الهضم، ومستعصية الحل!.  وعطفاً على ذلك، ينفي رئيس اللجنة القياديّة في حزب العمال الكردستاني، السيّد مراد قره ايلان، الاتهامات الموجّهة لحزبه، بخصوص علاقته بالنظام السوري. وبصرف النظر، عن وجود العلاقة من عدمها، وصحّة الاتهام من بطلانه، وبصرّف النظر عن صحّة الوثيقة التي تمّ تسريبها، أو من كونها مفبركة ومزّوة، (اختلقتها الواهبيّة القطريّة _ السعوديّة، البتروليّة الخليجيّة وبالتعاون مع الاردوغانيّة بغية تشويه الكرد وحزب العمال الكردستاني!. دون أن ننسى أن الإعلام السوري، يستخدم نفس الدباجة حين يتهم قطر/السعوديّة/تركيا بالتواطؤ والتأمر على النظام السوري!)، من حقّ الكردستاني اقامة العلاقة مع أيّة جهة، ومن حقّه أيضاً نفي وجود هذه العلاقة، والتكتّم عليها. ذلك أن الحزب، يمارس السياسة، والاخيرة، هي ترجمة المصالح، كما اسلفنا. والأجدى من الخوض في معمعة التراشق وكيل الاتهامات، بين من يصف المجلس الوطني السوري بالمجلس الاسطنبولي، تماماً كما يصفه النظام السوري، وشبّحيته اللبنانيين!، وبين من يتهم (PKK / PYD) بأن لهما علاقات مشبوهة مع نظام الأسد، تماماً، كما يقول الاتراك وأعوانهم!، الأجدى من كل ذلك، هو مناقشة مدى نسبة الضرر أو المنافع من العلاقة مع نظام الأسد، في حال لو نوت جهة كردستانيّة أو كرديّة سوريّة السير نحوها!. ذلك أن كل الأحزاب السياسيّة الكرديّة والعربيّة، لها علاقاتها ومصالحها مع جهات، معاديّة لبعضها البعض. وفي هذا الاطار أيضاً، يجب مناقشة مستوى علاقة جماعة الاخوان المسلمين وباقي قوى المعارضة السوريّة مع تركيا، ومدى تأثيرها السلبي، على علاقة هذه القوى مع الشعب الكردي في تركيا وسورية؟. وهذا الأمر، متروك للنخب السياسيّة والثقافيّة العربيّة، مناقشته واجراء مراجعة نقديّة جادّة ومنصفة، وضبط بوصلتها، بحيث تبطل المردود والانعكاسات السلبيّة التي تفاقم أزمة الثقة بين القوى الكرديّة والعربيّة المعارضة للنظام السوري.
 
وبالعودة لجدوى علاقة الكردستاني مع النظام السوري في هذه الفترة، ومناقشة نسبة الضرر الحاصل منها، على افتراض وجود هكذا علاقة، يمكننا قول ما يلي:
 
أولاً: الكردستاني ليس بحاجة النظام السوري، لانتفاء الاسباب التي كانت تبرر له علاقته مع نظام الأسد الأب، بداية الثمانيات وحتّى نهاية التسعينات. فأوجلان ليس في دمشق. والكردستاني، يمتلك معسكرات تدريب في المناطق الجبليّة بكردستان العراق وكردستان تركيا، ولم يعد بحاجة لمعسكراته السابقة في دمشق. وبالتالي، الكردستاني، لا يعاني ضيق الحال، كما كان إبان الثمانيات والتسعينات، حتّى يضطر لعقد العلاقة مع نظام الأسد الابن.
 
ثانياً: بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع حزب العمال الكردستاني، فأنه حركة تحرر وطني، وحزب ثوري نضالي مسلّح، يحظى بشعبيّة كرديّة هائلة، بين اكراد سورية وتركيا والعراق وايران وفي المهجر. وعليه، فهو ليس مضطّراً لأن يلوّث سمعته، بعقد علاقة مشبوهة، مع نظام استبدادي وحشي دموي، مهدد بالسقوط. فأي تيّار سياسي أو نظام حاكم، أو شخص، يساند نظام ساقط، فاقد الشرعيّة الوطنيّة والسياسيّة والاخلاقيّة، كنظام الاسد، هو أكثر سقوطاً وانحطاطاً من هذا النظام. وهنا، مكمن الخطورة على مجمل قضيّة الشعب الكردي، وليس في سورية وحسب، من العوائد الكارثيّة السياسيّة والاخلاقيّة التاريخيّة، التي ستلحق بالكرد وقضيّتهم العدالة جرّاء هكذا علاقة خاسرة ومنحطّة، بكل المقاييس، مع نظام الأسد.
 
وهنا تجب الإشارة الى أنه إذا كان من غير المقبول قطعاً، كرديّاً وسوريّاً، أن يقيم حزب العمال الكردستاني علاقات مشبوهة مع النظام السوري، تكون بالضدّ من الثورّة السوريّة، فمن غير المقبول قطعاً، أن تمضي بعض الجهات والقوى السوريّة المعارضة، بعلاقاتها المشبوهة مع النظام التركي، ضدّ القضيّة الكرديّة في تركيا وسورية، بحجّة ان حكومة العدالة والتنمية هي مع الثورة السوريّة وسقوط نظام الأسد. ويجب ألاّ يدفع هذا السلوك المشين، الحاصل حقّاً ويقيناً، ولم يعد بالإمكان إنكاره، من بعض اطياف المعارضة السوريّة في علاقتها المشبوهة مع النظام التركي، يجب ألاّ يدفع ذلك حزب العمال الكردستاني، لردّة فعل مضادة، يوازيها في القوّة والتأثير، ويعاكسها في الاتجاه، عبر إقامة علاقة مع النظام السوري!. وإذا انزلق الكردستاني لذلك، فأنه لا يبقي أيّة فوارق تميّزه عن تلك القوى التي تقبل التأمر على الكرد وقضيّتهم، وبل الانكى من ذلك، سيغدو الكردستاني متآمراً على قضيّة الكرد السوريين، الى جانب تآمره على الثورة السوريّة وقضيّة الشعوب السوريّة!. هكذا، تصوّر كابوسي وجهنّمي، لا يمكن للكرد، وبخاصّة الحريصين على سمعة وأداء الكردستاني، تخيّله!.
 
بالتأكيد، هنالك ما يبرر ويشرعن للمعارضة السوريّة إقامة أفضل العلاقات مع تركيا وحكومتها، شريطة ألاّ تكون خاضعة لإملاءات الاتراك، بما يعارض ويعادي قضيّة الكرد وحقوقهم. وفي الوقت عينه، إذا كان هنالك ما يبرر علاقة العمال الكردستاني بنظام الاسد الأب، في حقبة الثمانيات والتسعينات، فأن أيّة علاقة مع هذا النظام، وفي هذه الفترة بالذات، تتجاوز الانتحار السياسي، وستفقد العمال الكردستاني، أيّة شرعيّة كحركة تحرر وطني، تمتلك إرثاً نضاليّاً، يتجاوز ثلاثة عقود. ومن غير المتوقّع أن يجعل الكردستاني، ثورته في تركيا، في خدمة نظام الأسد، ضدّ ثورة الشعب السوري. وإذا صحّت هذه الشائعات، فهو الجنون بعينه.
 
ما هو مفروغ منه، ان حزب العمال الكردستاني، يتعرّض لحملة شعواء، يشنّها الاعلام التركي، فيما يخصّ وجود علاقة محتملة بينه والنظام السوري. وتتسرّب هذه الحملة، الى الاعلام العربي أيضاً، لأسباب معروفة، لا يتسع هذا المقام للخوض فيها!. ويتناسى هذا الاعلام، ان أردوغان كان يصف الاسد، قبل اندلاع الثورة بـ"أخي بشّار الأسد"، لكأنّ الأسد الأبن، الآن تحوّل الى دكتاتور، وكان شخصاً ديمقراطيّاً قبل 15 أذار 2011؟!. لكن، سلوك حزب العمال الكردستاني، والفصيل الموالي له في سورية (حزب الاتحاد الديمقراطي PYD)، هو أيضاً، يبعث على الشبهة والشكوك والالتباس والاسئلة وعدم الارتياح!. فصحيح أن بعض من هذه الشائعات التي تثار حول أداء هذا الحزب، مصدرها الاحقاد والضغائن السياسيّة بين الكرد انفسهم!. وصحيح أيضاً أن بعضها، ذو منشأ تركي!. ولكن بعضها، يستند لحقائق ومعطيات على الأرض!. وما يزيد الهواجس والشكوك، هي القرائن والأدّلة الركيكة والهشّة، التي يقدّمها الكردستاني وحليفه السوري، ومثقفوهما، أثناء الدفاع عن النفس، وردّ تلك الاتهامات!. لذا، يغدو النقاش في حقيقة الاتهامات، عقيماً. والاجدى، هو ان تناقش النخب الكرديّة، في نسبة الضرر والخسائر والعوائد السلبيّة الناجمة عن هكذا علاقة، في حال وجودها، مع النظام السوري. لربما يتنبّه، مَن تسوّل له نفسه، (كائن من كان)، لخطورة وفظاعة عقد تحالف سرّي مع نظام الأسد، باعتبارها لعبة قذرة وخطيرة يقدم عليها!. وهكذا نقاش، يصبّ في خانة الكلام السياسي، وما عداه، فهو من طينة الهذر والمذر وكيل التهم وتبادل التخوين والتعتيم على الحقائق عبر النفخ في غبار الشائعات.
 
كاتب كردي سوري
 
Shengo76@hotmail.com