الحب هو الحياة...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 1 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

وما الحب سوى الفرصة التي يهدينا إياها الوجود لأجل أن يولَد الإبداع داخلنا... وبالحب أعني ذلك القلب كينبوع ماء ساري جاري صافي لأن الحب ليس محصوراً مأسوراً فقط داخل حقول علاقاتنا... فما علاقاتنا سوى صدىً بعيد.. صدى للحقيقي الذي علينا اكتشافه داخل ذواتنا وألبابنا.
وذلك الحقيقي ليس علاقات بل حالة حب ليست كغيرها من الحالات... ذلك الحقيقي يعني أن الإنسان لا يحيا في الحب.. بل الإنسان هو الحب. ومتى ما سمعتم حديثاً عن الحب في هذا الموقع.. فاعلموا أن حالة الحب هي المقصودة وهي الغاية المنشودة. نعم جميلة وراقية هي العلاقات.. لكنها ستبقى مزيفة ما لم يصل طرفاها لحال الحب.. أن يكون كل منهما المحبة تمشي على الأرض.. ومن هنا تبدأ الأنشودة. إن علاقات مَن لم يصلا ليكونا المحبة بكل ألوانها وجمالها ومعانيها.. ستكون علاقات خطيرة.. ليست علاقات بل ادعائات تحت شعاراتٍ كثيرة.. لأن طرفيها قد يستمتعا بخداع نفسيهما.. علاقتهما ستذيقهما من كأسٍ ماء الحب لم تسكَب فيه قط.. لكنهما يظنان أنه الحب.. يظنان أنهما يرتشفان الحب عذباً خالصاً من كأس المحبة. ويا للمحبة كم هي بعيدة قريبة... بعيدة حين نكون في الحب.. قريبة حين نكون الحب... إن المحبة هي حالة كيان لا تشترط وجود إنسان حتى تنمو وتزهر وينطق بها القلب قبل اللسان...
وهذه المحبة لا يقترب فجرها ولا تشرق شمسها إن نحن في حب أحدهم وقَعنا. هذه المحبة تفتح زهرتها بتلاتها حين ندخل ذواتنا وألبابنا.. هذه المحبة تفتح أبوابها وتفرد شراعاتها لا بالوقوع بل بالصعود والعروج على سلالم أنفسنا.. هذه المحبة تكشف هويتها حين نحلق عالياً بعيداً عن أنفسنا وأبعد منا. والإنسان يكون المحبة والمحبة تكونه حين يغمر الصمت كيانه.. لا رغبة داخلية ولا أنا فردية.. ولا طمع وغضب وفكر واستكبار وأنانية... المحبة هي أغنية الصمت الأزلية. بوذا هو المحبة.. يسوع هو المحبة.. محمد هو المحبة.. ليسوا في حب شخص بعينه.. لكنهم الحب نفسه. محبتهم عطر يفوح منهم إلى اللاعنوان وإلى لا مكان... وهل الزهرة تحمل عطرها عنواناً يتوجه إليه.. عطرها منَزه عن الغايات..
إن المحبة الحقيقية لا تضمن رسائلها جمَل الشرط والطلب.. ولا كلماتٍ مثل لو.. لكن.. يجب... المحبة لا علاقة لها بالقواعد والعلوم النحوية. المحبة الحقيقية لا تعزف على آلاتٍ شَرطية.. ولا تنشد وتقول: إن كنت هكذا.. وإن فعلتَ كذا.. سوف تكون الحبيب والحبيبة.. الحب الحقيقي يشبه النفَس... هل ستختار متى تتنفس.. هكذا هو الحب... لا يبالي من سيمر قربك.. آثم مَر أم قديس عبَر من جانبك... أياً مَن عبَر ومر فذبذبات محبتك تفتح له الطريق مرسلة إلى عينيك البريق... بريق حب لا شروط له ولا قيود... حب معطاء... يعطي ما أنت مالِكه ولأنك تملكه فهو منك وبك.. يجعل الجميع عندك في العمق والجوهر.. سواء...
غريب أمر البشر يصِرون على منح ما هم ليسوا بمالكيه.. يصر الأحباب على منح الحب لبعضهما لكن الحب نفسه يفتقدهما ولا يعرف عنوانهما.. فكلاهما لا يملكانه.. كلاهما... يمنحان بعضهما الحب ويطلبا الحب من بعضهما ولكنهما لا يملكاه... وهل رأيتم محتاجاً يعطي محتاج آخر ما هو بحاجته من الأساس.. إنه ليس بمالكٍ لحاجته فأنى له بها يمنحها لغيره ويطلبها من غيره الذي يفتقدها بدوره ولا يملكها.. كل هذا يحدث على أي أساس..
على الحب أن يولد أولاً في أعماق الكيان.. في لب الألباب... إن الحب نوعية... نوعية تعني قدرتك على أن تكون وحدك.. سعيداً في خلوتك.. مستمتعاً في توحدك. إنه نوعية كونك تحيا حالاً من اللاعقل.. كونك ارتقيت وخلعتَ نعليك فدخَلتَ واحة الروح.. كونك صامت من داخلك. الوعي المكتفي الراضي القانع هو المساحة.. هو الأرض التي ينمو فيها الحب ويترَعرَع داخلك.
وحين ينمو الحب فيك ويزهر ويكبر.. فإلى متى تظن نفسك قادراً على أن تحمله.. إنه لَمتعة ونعمة يصعب عليك حملها وإخفائها لدرجة يعتصر معها قلبك من الألم... كيف يحوي كيانك هكذا فيض من المحبة وأنت عن الناس تخفيه.. يصبح كيانك ويمسي حاملاً ثقلاً كغيوم السماء حاملة المطر ولا خيار أمامها سوى أن تشاركه مع العالم.. سوى أن تمطِر وتريح نفسها من الحمل الثقيل. وحين يولَد الحب في روضة القلب الصامت.. ستلومك نفسك إن كنت تخفيه.. فلابد لك من مشاركته.. من مَنحه.. لا حيلة لك فأنت أمام هذا الخيار ضعيف.. مشاركتك إياه مع غيرك ستكون كنسمة صيف في ليالي الصيف هَبت لتنعشك وتحييك...
ولا تظن الشخص الذي تمنحه حبك ملزَماً بِرد ما منَحتَه إياه لك. والحقيقة أنك أنت من يدين لهذا الشخص بالكثير.. فقد خلصَك من حملَك وشاركَك بما تحمله داخلك ولا تطيق صبراً حتى تشاركه مع غيرك. وللحب قانون: كلما أعطَيتَ أكثر.. كلما ازداد داخلك أكثر.. لأن كيانك الصامت هو همزة وصل تصلك بمصدر المحبة الأصلي الأزلي.. بالله. إنه نبع ماء لا ينضب.. فشارك ولا تضع شيئاً في الحسبان...
غير هذا الحب لم يتبقى للعالَم أمل.. وها قد اقتربنا بل وأصبحنا على مشارف نقطة التحول حيث لا رجعة: إما حرب الدمار الشامل وإما الحب الطاهر الكامل. الآن لم يتبقى وقت للمساومات والمجاملات واللعب بالكلمات... على الإنسان أن يختار وخياره سيحدد مصيره... من اختار الحرب فمصيره الموت لأن الحرب هي الموت.. ومن اختار الحب فمصيره الحياة..لأن الحب هو الحياة...