الصفاء النفسي...

رد واحد [اخر رد]
User offline. Last seen 6 سنة 1 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

ليس الصفاء النفسي بالاصطلاح العلمي الذي نلتقي به في كتب علماء النفس و إنما هو تعبير فلسفي عن حالة السكينة الروحية حيث كلما نتحدث عن السماء الصافية التي لا تلبدها الغيوم نتحدث أيضاً على سبيل المجاز عن النفس الصافية التي لا تعكرها الهموم
ليس في الوجود نعمة أعظم من أن يستمتع المرء بمثل هذا الصفاء النفسي الذي تصبح معه «الذات» متكافئة مع نفسها، متطابقة مع وجودها، وقد لا نكون مبالغين عندما نقول إن الغالبية العظمى من الناس تحيا دائماً في حالة صراع داخلي وقد لا تعرف هذه السكينة الروحية التي تقترن بمشاعر الوحدة و التكامل..‏

والحقيقة إنه ليس في الحياة شيء يكدر سعادتنا مثل «الهم» والذي هو شعور مركب يقترن بمواكب من المشاعر السلبية الأخرى كالقلق والخوف و اللهفة والخشية و الضيق وكثيراً ما يكون موضوع «همنا» هو المستقبل كوننا نخاف المجهول و نقلق سلفاً على ما يمكن أن يحدث لنا في المستقبل.‏

يؤكد علماء النفس أن «الهم» قد يكون مجرد تعبير عن إحساسنا الضمني بوجود «تباين» أو عدم «تطابق» بين ما نحن عليه وما نبغي الوصول إليه، وقد يكون هذا الإحساس شعوراً طبيعياً يكشف عن عدم تطابق «الذات الواقعية» بضعفها وقصورها مع «الذات المثالية» بسموها وكمالها، و لكنه قد يستحيل أيضاً إلى شعور مرضي حين يصبح كل هم الذات هو التطلع إلى المستقبل دون العمل على الإفادة من الحاضر.‏

يقول المفكر الإنكليزي الشهير كارلايل.. ليست مهمتنا الرئيسية في الحياة أن نتطلع إلى ما يبدو لنا من بعيد مغلفاً بالغموض والسرية، بل إن مهمتنا الأساسية هي أن نحقق بالفعل ما نراه بوضوح ماثلاً بين أيدينا أو قائماً تحت سمعنا و بصرنا..‏

فالهم هو العدو الأكبر الذي يتهدد حياتنا النفسية وهو في الوقت نفسه السم اللعين الذي يندس في كياننا الروحي لأننا عندئذ لا نلبث أن نفقد القدرة على التصرف لكي نصبح مجرد كائنات حالمة واهمة، ضعيفة واهية.‏

وتؤكد جميع الدراسات النفسية و الاجتماعية في هذا الإطار أن الحقد و الكراهية و الرغبة في الانتقام هي ما ينتزع منا الصفاء النفسي، فكثيراً ما يكون لدى الآخرين ردود أفعال لا تخلو من عدوان أو صراع أو تحد و عندئذ قد يتبادر إلى أذهاننا أن نواجه الشر بالشر والعدوان بالعدوان دون أن يخطر على بالنا أننا بذلك نذكي نيران البغضاء ولكن ربما كان من مصلحتنا في - بعض الأحيان- أن نغض الطرف عن بعض المساوئ التي يقترفها بحقنا الآخرون وأن من شأن هذا الإهمال أو التجاهل أن يقذف بها إلى زوايا النسيان و أن يزيد في الوقت نفسه من صلابتنا الروحية في مواجهة أسباب العدوان.‏

وكثيراً ماتكون سعادتنا بمدى قدرتنا على الامتناع عن تذكر الأحداث الأليمة والكف عن اجترار الرغبات الشريرة والعدول عن تنمية نوازع الحقد والكراهية في نفوسنا، ويؤكد العاملون في حقل اختبارات علم النفس وليس من الضعف في شيء أن يتجاهل المرء أحياناً بعض الإساءات الصغيرة وإن من شأن هذا التجاهل أوالتسامح أن يكون بمثابة إعلان صريح عن قدرة الذات على الصلح أوالغفران وهي قدرة لاتملكها إلا النفوس التي صهرت معادنها آلام الحياة وشرور الناس.‏

وربما كان من بعض مظاهر نضجنا النفسي أن يكون في استطاعتنا توجيه أفكارنا والتحكم في عقولنا والحق أن القدرة على ضبط النفس وتوجيه مجرى الشعور إنما هي إحدى النعم الكبرى التي تجيء مع النضج النفسي والاتزان العاطفي، وإذا ما كان ثمة فارق أساسي بين ما يفصل الحرية عن العبودية فما ذلك الفارق سوى قدرة الرجل الحر على ضبط النفس بينما يظل الرجل الضعيف مستعبداً لأهوائه غيرقادر على التحكم في أفكاره... ويعتبر علماء النفس أن القدرة على التحكم في عقولنا هي أمارة من أمارات السكينة الروحية وهي مظهر من مظاهر الصفاء النفسي ونحن لانملك هذه القدرة إلا بقدر مانمارس ملكة التفكير الحر والاستدلال المنطقي ، بحيث نعود أنفسنا على عدم اللجوء إلى منطق العاطفة أو الارتماء في أحضان التبرير الجدلي العاطفي .‏

وليس من شك أن الصفاء الذهني وثيق الصلة بالصفاء النفسي، فمن شأن التفكير الهادئ الرزين أن ينعكس على الشخصية بأسرها وكل من يرد لنفسه حياة هادئة ملؤها الصفاء النفسي، فلابد له من الرد على التساؤل الذي يفيد بأن الصفاء النفسي ثمرة لرياضة روحية طويلة.‏

وقد تحدث الكثيرمن علماء النفس عن أهمية التغذية الروحية التي لاتقل أهمية عن التغذية الجسدية وضرورة الاسترخاء بين وقت وآخر وخصوصاً في ظل الحضارة المادية الحديثة التي أصبحت تفرض على الإنسان الكثيرمن مظاهر القلق والتوتر..‏

وباختصار فإن الصفاء النفسي ...قد أصبح لدينا ترفاً أوشيئاً كمالياً ولكنه في الحقيقة ضرورة قد تكون أشد لزوماً من أكثر ضرورات الحياة وليس الهرب من مجتمع المدينة وضوضاء الحياة العصرية سوى مجرد محاولة بدائية للعودة إلى بساطة المعيشة فآباؤنا وأجدادنا كانوا أكثر منا صفاء وأشد بساطة تجمع بينهم روابط المودة والصفاء وأما نحن فقد عقدنا أساليبنا في الحياة، بما أدخلناه عليها من مظاهر التكلف والتصنع والرياء فلم نعد نملك من صفاء النفس مانستطيع به أن ننعم معه بنعمة الصداقة أوعذوبة المودة... لقد أصبحنا نفكر في الحياة بدلاً من أن نعيشها وصرنا نراقب الآخرين، بدلاً من أن نشاركهم فلم نعد نشعر في حياتنا العامة أوالخاصة بأي أثر للصفاء النفسي أوالسكينة الروحية...‏

صورة  روشدار's
User offline. Last seen 8 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 22/04/2009

تمنياتنا لك بصفاء النفس والروح سر الحب .

لا تكن وتراًً يعزف عليه الحياة ... بل كن عازفاً يعزف على أوتار الحياة أجمل الألحان