نظرا لصعوبة حصول الزيارة الحقيقية وبما أن الواقع يحول بيني وبين هذه الزيارة ، قررت زيارتكم في نفسي ، زيارة ينسج صورتها خيالي ، زيارة سريعة وقصيرة وقاصدة البعض فقط ، لكثرة العدد وضيق الوقت وليس لطول المسافات فليس في قاموس الخيال شيء اسمه مسافة بل يخترق جدرانها بكل سهولة.. 

لقد لملمت ذاتي وحملتُ أمتعتي وشرعت بالسير...

 زرت جوان وهو مجتهد يجمع أسباب النجاح ويبحث عن أفضل طريق للتغير ، فذكرته أن المبدعين يعلمون أن ليس أمامهم طريق فخطاهم هي التي تشق الطريق..

ولا أخفيكم أنني تعبت حتى في خيالي للوصول إلى موطن شوجي ، حيث وجدته في عملية تنعيم و( تشييك ) لأشواكه المدللة داخل جحره ، فذكرته أن آلية التشويك ( النقد ) يجب أن تفعّل على جميع المتشوكات الاجتماعية والفكرية واللغوية..الخ على النحو المتاح دون إهمال لجانب على حساب الآخر ، لأن أسمى ما يطمح إليه الإنسان هو الارتقاء المتكامل ، وبشّرته وأشواكه أن أيّ إنسان يحرم من التشويك يضعف ويذبل ، لأن التشويك ما هو إلا ماء وهواء للفكر والوجدان .

وزرت الخال سوار في بيته المضياف والمنفتح على الكرم والشهامة ، و شكوته ما يعانيه المجتمع من تشرذم وتدني أخلاقي ، ثم كان حديث داخلي كيف له أن يؤثر وهو بعيد عنهم؟! ، فذكرته لأن يعيد رفع مواضيعه الإصلاحية والاجتماعية من جديد..

وزرت المحاضر الجذاب طه في قاعة المحاضرات ، فنوهته بأن يملك نفسه ولا يسرد أخبار نادي الجهاد لطلابه ولا يلقي سيرته على مسامعهم فلكل مقام مقال..

 وبحثت عن عماد النشيط في أرجاء القرية حتى وجدته مضجعا بين الحقول لكنه لا يحمل المحراث في يده بل حاملا الموبايل ويقرأ آخر المشاركات الجديدة في كوليلك ، فأخبرته أن أمه تقرأه السلام ولا تزال تناديه منذ ساعات..

ورأيت caane ترسم على أنغام هادئة الثلوج والأمطار بألوان الصفاء ، وتغني للصدق والنقاء ، فذكرتها لأن تستمر على هذا المنوال لأن الحياة من دون هذه المعاني الراقية والاهتمامات العليا جحيم لا يطاق..

وزرت أحمد في العيادة ، فذكرته لألا يحرم كوليلك من فكره المميز والمنضبط ، وتبقى حاجة الناس للمفكرين أعظم من حاجتهم للعلماء ، لأن المفكر إنسان مجتهد ويسعى باستمرار إلى تفحص الواقع ومراجعة معتقداته كي يمنحها مزيدا من النضج أما العالم فيحمل في رأسه الكثير من المعلومات إلا أنه غالبا يبقى مقلدا في تحليلاته وآرائه..

ومن بعيد شاهدت باتيار متربعا على قمة المعرفة ومن حوله كتب الفلاسفة وعلماء النفس وسِير العباقرة ، فذكرته أن كوليلك أيضا تستحق بعض خبراتنا المناسبة وإن كانت تشتكي العيوب أحيانا وتعاني الشلل التام أو النصفي في بعض الجوانب ، فلنتحالف مع التخطيط حتى تتهيأ لنا الظروف للمشاركة والبناء..

ووجدت كول أمام مكتبة الأدب المنزلية ، تصفّ كتب الأدباء ودواوين الشعراء لتستخرج منها ما تحب وتصنع منها ما تريد ، فدعوت لها بالتوفيق ودعوتها لتدعي معي أن يلهمنا الله العلم النافع ويعيننا على العمل الصالح ويبصرنا بالدواء ويبعد عنا الداء..

وزرت راميار في المدرسة وشكوت له الوضع النفسي المزري للمجتمع والعلل النفسية التي يعانونها بالوراثة والتي تصدّرها البيئة باستمرار ، ثم شكوت له مدى حاجة الكثير من المرشدين والمعلمين إلى مرشدين نفسيين قبل حاجة الطلاب والناس من حولهم..

ووجدت سازي تحضر طعام صغيرها ثم تستعد لطعام الغداء ، فذكرتها أن الحالة الطبيعية للإنسان أن ينتقل من مرحلة إلى مرحلة جديدة أخرى وبذلك تكتمل جوانب شخصيته ويزداد ارتفاع سقف خبراته..

وتأملت بين الحقول وفوق الأشجار ثم حلّقت في الأجواء باحثا عن حمامة كوليلك وفراشتها ، وتساءلت هل تقف برودة الشتاء وراء اختفاءهما ؟! ، ثم هتفت بأعلى صوتي : إن الربيع لا محال آتٍ ، وهو لا يكاد يطرق الأبواب..؟!

وزرت ريبر في المشفى وشاهدته يعاني من ضغط العمل ونظام المناوبات المرهقة ، فذكرته أن مع العسر يسرا والآخرة خير وأبقى ، وأنهم لا يزالون الأمل المنتظر ، ودعائم الراحة والاطمئنان تبنى على أكتاف أمثاله..

ووجدت  azadhgباحثا وسائلا عن الحقائق والمعلومات ، فحييته بأجمل تحية على ذلك ما دام الهدف الجوهري هو البناء ، وذكرته أن البحث والسؤال هما رأس التغير والتطوير .

ووجدت روكزانا ربة منزل وأمّا ً تستشرف آفاق المستقبل وتلبي مسؤوليات الأمومة ، فذكرتها أن الأولوية لعائلتها حقا ومن الحكمة ألا ننخرط في عالم النت في ظل زحمة المسؤوليات الواقعية..

ووجدت ماس نشيطا في عمله وهو يشكو من ضيق الوقت وكثرة الأشغال ، فذكرته ألا يحمل سوى ما يسطيع إعطاءه حقه من الطاقة ، فنحن مسؤولون عن كل شيء نحمله في أيدينا ولا يزال الإتقان هو المطلوب وليس الكم ولايزال الكم يكون على حساب الكيف ولا تزال الأم التي تمتلك ولدين فرصة نجاح تربيتهما أكبر ممن تمتلك أربع..

ورأيت كجى قامشلو تشتكي من ضغط الدراسة وأسلوب التعليم القائم غالبا على التلقين والحفظ والذي يشكل بذلك ضغطا على الذاكرة والروح فيؤدي إلى الفرار من القراءة والتعلم ، فذكرتها أن طريق المعالي مفروش بالأشواك وهذا بطبيعة الحال ، ولكن ربما تأتي محاولات لغرس الأشواك غرسا ولو أن طبيعة الأرض لا تستدعي ذلك ولا تتحمله ، وبالتالي لا تكون سوى عائقا في مضمونها ، لكن في النهاية ليس هناك خيار أفضل من اختيار الموجود الأفضل..!

وشاهدت جانو في حالة عذاب مع نفسه المخلصة ويتنهد مرة تلو المرة من انهيار إنسانية الإنسان ، فذكرته أن الثقة بالنفس لا بدّ منها وضعفها يقلل من تحمل المسؤوليات ويجعلنا نخشى المبادرات ، في الوقت الذي تعاني المسؤوليات من نقص الشخصيات ويشكو الواقع من قلة المبادرات ، ولنبقي شموع التفائل مشتعلة فمن الممكن جدا ً أن يتمسك الناس بالقيم الإنسانية العليا التي لقيتْ نوعا من الإجماع على مرّ العصور ولاتصالها بالفطرة ولتعزيز الرسائل السماوية لمضمونها ومنها القيم المشهورة الثلاث.. الخير والجمال والحق..

ورأيت روشدار منعزلة مع قلبها الطيب ومشاعرها الجياشة تعاني وتحلل وتركب وتصنع ألحانا عاطفية وتضرب على أوتار إنسانية ، فذكرتها حتى لو كانت المشاعر هي وقود الحياة فالعقل يبقى القائد ونجاح عملية إشعال الوقود مشروط بوعي القائد! ، فلنضرب أيضا على أوتار العقل القيّمة لنسمع صوته الجبار الذي يطلق أجمل الألحان في التوازن والإعتدال..

ورأيت بافي هفال غارقا في الدراسة بعد أن حاصرته الأيام من كافة الجهات وضاقت عليه بما رحبت ، فذكرته أن الأهمية حقا لدراسته في مثل هذا الوقت وهي بحاجة لـ ( هز كتاف ) ، وما أحلى طعم النجاح من بعد الجد والكفاح..

ووجدت إبراهيم يعبد ربه على سجادة الصلاة ، يصلي ثم يدعو ثم يتلو القرآن ، فذكرته بما جاء في الأثر : فربما ساعة تفكير خير من قيام ليلة؟! ، لأن بالتفكير يتم التفاعل مع المرئي والمسموع في الواقع ، وبالتالي يتم التأهل لتقديم أمرا عمليا نافعا يشفع يوم القيامة ، ودعونا معا لأن يثبت الله قلوبنا على الحق ويطهرها من كل مالا يليق بالشخصية الإيجابية ، وتلوت له سورة العصر .

ووجدت هيام تصرف الوصفات الطبية بخبرة وفي ظل جو من الحيوية ، فأخبرتها بأن المسكنات كانت الأكثر مبيعا حسب تجربتي لأن الضعف من طبيعة الإنسان فحتى النوم والراحة لم تعد تكفيانه ولا يزال يلتجئ إلى مسكنات خارجية ، ولا حرج في ذلك إذا كان هذا الالتجاء بعد عناء حقيقي وقبل إقلاع حقيقي..مثمر..؟

وشاهدت متين مع أسلوبه الباهر يعطي دروسا في البرمجة وسُبل تفجير الطاقات الكامنة ، فذكرته ببعض من نصبوا أنفسهم معالجين نفسيين ممن نالوا شهادات البرمجة اللغوية العصبية وهم لا يميزون الأمراض والاضطرابات النفسية بل يجهلون أعراضها وأسبابها ثم يستمرون لإعطاء نفس الدواء ( المهارات - التقنيات) لجميع الحالات المختلفة..؟!

هؤلاء الذين استطعت زيارتهم إلى الآن وربما تستمر زياراتي إلى آخرين في الأيام المقبلة ، وقد حاولت أن أطير بخيالي لزيارة الحسكة إلا أنها باءت بالفشل في الوقت الراهن..فعذرا ً لساكنيها.