مبارزات بالاصبع الوسطى

3 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 11 سنة 34 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 03/02/2007

الكاتب :أحمد عمر

مبارزات بالاصبع الوسطى

♀واحدة من الجولات :

بحذر وتوجس وتشوق
مندهشاً معجباً...
على بعد متر أو أكثر ,قرفص سهيل يتابع برو وهو يحرر العقربين من صناديق الكبريت ويضعها في صفيحة الحلاوة الفارغة والمفتوحة من أعلاها ,برو لم يكن متأكداً من أن العقربين صالحين للعرض,لم يكن واثقاً أن أحدهما ذكراً والآخر أنثى ,رجَّح أن يكون العقرب ذو المؤخرة العريضة الثقيلة ,أنثى,وأن يكون العقرب الرشيق ذو الخصر الضامر والملاقط الحادة ,ذكراً..

قبع كل من العقربين في زاويتين متقابلتين ,مثلما يفعل الملاكمان في الحلبة قبل بدء الملاكمة, هذه ملاكمة أخرى, ملاكمة مختلفة تماماً.
سهيل المقتاد تحت إلحاح فضوله,تراوده الكثير من الأسئلة والاستفسارات,لكن جلال ورعب المنظر يرغِّبانه فيفضل التأجيل إلى حين لاحق.

العُقُرُبان واقف ببرود وخيلاء, يحك ملقطيه ببعضهما كأن العقربة المقابلة لا تهمه أو تثيره في شيء.

نقره برو بعصا في يده لتأجيج المشهد ,هيا يا عديم الناموس ,تقدم, صدق من قال (يعطي الحمص لمن لا أضراس له), هيا تقدم ولا تنكِّس عقال رؤوسنا أمام هذا الشامي الأبيض النيء. لن تخذلنا أمام البطيخة القرعاء ,البارحة قاد سيارة أبيه أمامنا, صبي في الخامسة عشرة من عمره يقود سيارة!!تصور!في حين لا نحلم نحن بأكثر من ركوب عربة يجرها بغل أعرج أو باص على الأكثر ,وضع في فمنا خ... سجل في مرمانا عشرات الأصابع الوسطى المدوزنة ,سنرد له الصاع صاعين ,سنريه أننا لسنا أقل منه ,فلدينا ما لا يقدر على فعله, لو تعرف كم يرهبك هذا الأشقر أيها العقرب ,هيا تحرك وأثبت له أن المشهد الذي ستؤديه أهم وأكثر إثارة من أفلام الفيديو التي يشاهدها ويعيّرنا بها.

يحاول برو برصانته وصرامته أن يوحي لسهيل أنه يقوم بعمل عادي مثل قزقزة بذر البطيخ, وأنه يعرف جيداً طباع العقارب مثلما يعرف الراعي طباع قطيعه.دفع بالعُقُرُبان تجاهها فنكص عائداً لائذاً بالركن,هل أنت مخصي أم خجلان, كفاك فركاً ليدين خاويتين ,تقدم وقم, بالفعل المطلوب,ابطحها على الأرض واركبها, يبدو أن غزلك العذري سيطول,صبري له حدود وبدأ ينفذ.

دوّر العقربة في مكانها كما تدوّر عارضة الأزياء ثوبها للإغراء بشرائه, انظر كحل عينيك,أنظر إلى هذه المعجزة البشعة,تملًّي من هذه السيقان القبيحة,انظر إلى مقصات ملاقطها ,هيا يا ابن العاهرة, افعل شيئاً, ستجعلني ببرودك هذا أنفجر من الغيظ والحنق ,يا ابن المائة أب تحرك ,سأغضب ,وإذا غضبت فسأجعلك تأكل إلخ... سأرغمك على قتل نفسك, مثلما فعلت مع الكثير من أبناء قشرتك,أحاصرك بالنار وأدفعك إلى الانتحار.

مضى وقت والعَقرَبان واقفان جامدين, ألاّ يحرقك أنفك,أليس فيه ناموس ,حسناً أيها الفاعل بأمه,سأريك عقابي ,سأعد لك إعداماً ظريفاً تستحقه ,ستموت غرقاً وسلقاً.

صبّ برو إبريق الماء في الصفيحة فطفق العَقرَبان يعومان ويجدّفان ,متخبطين وضع الصفيحة على النار وبعد لحظات تعالت ألسنة النار مترافقة بحركات العقربين المستنجدة, راحا يجاهدان في تسلق الجدران الملساء للخلاص دون جدوى ,قربتهما الحركة العشوائية من بعضهما, التقيا, أمسك كل منهما بالآخر ,تعانقا, تلاصقا, تلاحما,اشتبكت الأطراف وتداخلت,تشنّجا ,ثم ارتخيا.

فعلاها أخيراً؟؟!!
امتدت ابتسامة خبيثة على وجه برو.
كان يجب أن أعرف منذ البداية أن الوقت صباحي بارد وأنه يلزمهما بعض التسخين والتحمية!!

تموجت المياه ثم هدأت وقد استوت فوقها الجثتان القشريتان للعقربين الشهيدتين.

سهيل مأخوذ, مذهول, مشدوه.
سوسو أكل إصبعاً وسطى خازوقية مدوزنة ,صحتين على قلبك يا سوسو أفندي.

يُتبع بـ ((إحدى استراحات ما بين الجولتين)).

User offline. Last seen 11 سنة 34 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 03/02/2007

♀إحدى استراحات ما بين الجولتين:

أمر عجيب حقاً ,(لا بد أن ذئباً قد مات في مكان ما!!)* .

حاول الأب مرة ثانية:

ــ تعال يا بني ,سنحصد في رأس العين هذا الموسم,سنبقى فيها أكثر من عشرة أيام.

أشجار وسمك وسرطانات ولهو وصيد,ماذا تريد أكثر من هذا يا برو آغا, لا تخذل والدك على الأقل, متى كنت تحظى بعرض كريم كهذا!!

تمتم الأب في نفسه:
ربما لا يزال مغتاظاً من أبي سهيل ,الموسم الماضي أبدى تبرمه من وجود برو في المصلحة.

ــ أبو سهيل لن يعترض, حدثته في موضوعك ووافق بشرط أن تبقى مؤدباً.

ماذا جرى للولد؟؟

دحرج العجلة الاحتياطية لمقطورة الجرار متوجهاً نحوها:

ــ هذا الموسم سأستلم جرار((الفورت شريت)), سأحاول أن أعلمك قيادته كلما سنحت الفرصة.

ماذا تريد أكثر من هذا يا برو؟؟

تعال واستفد لك شيئاً بدلاً من التسكع في الشوارع وراء الصائعين والمتشردين,ارحم أمك من مشاكلك مع الجيران.

جلس على المصطبة حائراً:

ــ أخسر نصف عمري وأعرف ماذا يدور في هذا الرأس اليابس؟؟
تنهد برو تنهيدة كسيرة ,أخفض بصره خشة ان تقراه عيون أبيه الفاحصة المستقرئة.

غداً سترحل رشا يا يابو ,ستعود وعليّ أن أكون في وداعها ,صحيح أنني لم أحظى بوداعها وجهاً لوجه ويداً بيد ,لكن تكغيني المراقبة من بعيد, في الماسم الماضية كانت تمكث هنا طيلة الصيف, هذه المرة, لن تبقى أكثر من ثلاثة أيام!!

برو لم يعرف السبب, ما يعرفه أنّ صندوق السيارة سيمتلئ بالمؤونة,زنبيل البسطيق, صفائح الجبن المشلل, قطرميزات العسل, كيس الزبيب..سيتحول البيت لحظة الرحيل ,إلى خلية نحل, رشا العذبة كالوريقات الأولى لنبتة الخس والأنيقة كسكرة ملفوفة بورق مفضض معقود من طرفيه بضفائر ,ستركب السيارة في الحين الذي يكون فيه برو واقفاً على مبعدة شارع, بمحاذاة عمود كهرباء أو حائط ,يهدهد قلبه ممسكاً بقدميه الحرونين ,اذهب يا أحمق واندس بين المودعين, إملأ عينيك منها يا حمار ,ستغيب عنك سنة كاملة, سيمضي الزمن في غيابها بيأس نحلة عالقة في الدبق ,وتزحف الساعات ببطء حلزون خامل ينتبه برو إلى قدميه وقد غافلتاه, وجرتاه جراً, يزجرهما بأسى ويعود إلى مكانه ليراقبهما.

تدخل رشا السيارة ,ثم تغلق الباب فينخلع قلب برو من الألم, كما لو أنّ حديد الباب الثقيل أطبق على أصابعه ,تبتعد السيارة ويلوح المودعون, ترتفع يد برو ملوحة ينتبه إلى تلويحته الوحيدة الطرف, تسقط, يجرجرها, ويطمرها في جيبه وكأنها جثة طائر أصابته طلقة وهو في عزِّ تحليقه, تغادر السيارة مخلفة زوبعة من الغبار الخانق في الشارع وفي قلب برو الذي بقي وحيداً في الشارع المقفر, الموحش.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مثل شعبي يقصد به التعجب من مخالفة سلوك معتاد.

يُتبع بـ ((الجولة الأخيرة)).

User offline. Last seen 11 سنة 34 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 03/02/2007

♀الجولة الأخيرة:

سأل برو:
ــ صحيح يا سهيل, بنت عمك رشا سترحل في الغد؟؟
ــ نعم.
بعد فترة صمت, سأل سهيل:
ــ لدغتك العقارب يا برو؟؟
يستيقظ برو من شروده.
ــ عقارب؟؟ العقارب لدغت أبي, أبي لا يتأثر بلدغة العقرب, دمه من النوع الذي لا يؤثر به سم العقرب.
رد سهيل باستنكار:
ــ حقاً؟؟
تابع برو بفخر واعتزاز متباهياً على خصمه اللدود:
ــ اتعرف ماذا يحدث للعقرب الذي يلدغه؟؟
ماذا يحدث له؟؟
ــ يموت, ما أن يلدغه حتى يموت من ساعته.
ــ معقول,أمر لا يصدق!!
ــ أقسم بتراب الشيخ عبد القادر, والله لا أكذب عليك.
ــ يعني, أنت أيضاً بك سم العقرب؟
ــ دمي من دمه, أنا ابنه, طبعاً لن يؤثر.
ــ وأنا قلت البارحة مثل هذا لرشا.
رشا, أعتدل برو جالساً من استرخائه الكسول:
ــ وماذا قالت؟؟
ــ طبعاً لم تصدق, قالت: صحيح أنَّ برو شجاع وجريء لكنّه لن يجرؤ على لمس العقرب.
انتفض برو غاضباً:
ــ بل أجرؤ!
أردف مؤكداً:
ــ نعم أجرؤ.
ــ تراهن, أدفع مائة ليرة إن قدرت؟
رهان ثمين ومختلف, رهان لا يشبه الرهانات السابقة التي خاضاها, الرهان اقترحه سهيل هذه المرة.

مائة ليرة, مائة ليرة حقيقية أخرجها سهيل.. كما يخرج الواحد حبات الزبيب والحمص من جيبه, مائة ليرة حقيقية وليست ورقة نقدية مقلدة, مقصوصة من كتاب الحساب, تناولها برو مبهوراً, بات التفكير في لدغة عقرب أمراً جدياً مطروحاً, ولكن يا أحمق, هذا عقرب وليس دبوراً, لوح برو الشجاع لبرو الخائف في تحد:

ــ ماذا يعني عقرب, مجرد حشرة مثل كل الحشرات, لا لن أدع مبلغاً مثل هذا يطير من يدي, لن أظهر جباناً وخوافاً, سأنال إعجاب رشا وسأحوزه.
فكر برو ملياً....
ابن خالي (جلو) يؤكد أنَّ العقارب التي لدغت المرحوم والده ماتت كلها بأرضها, ولم يلحقها ماء, كانت تدور حول نفسها بعد اللدغة مثل جرار غرز في الوحل أو في أرض رخوة صحيح أن لجلو باعاً طويلاً في الخرط والكذب, إلا أنَّ أمي أيضاً تؤكد أنَّ أبي لم يكن يتألم من لدغة العقرب, فقط يفرز جسمه بعض العرق بعد اللدغة وينتهي الأمر بسلام لهذا إذاً لم يكن يبالي بسؤالي الملح عن عدد اللدغات التي أكلها من العقارب, كان يتهرب ويجيب صائغاً ما يشبه الحكمة:

ــ هناك لدغات أكبر بكثير يا بني.
ــ تقصد لدغات الأفاعي والثعابين يا يابو ؟؟
رفع برو يده اليسرى يتأملها متفحصاً..
سأختار إصبعاً من أصابع اليد اليسرى, اليمنى يدي الأهم, سأختار السبابة, لا.. السبابة ناعمة, رقيقة الجلد, الوسطى هي الأصبع الأطول وذات السلامية الأبعد عن القلب, القلب مركز ضخ الدم إلى الجسم, برو مستظهر لفقرة (كيف تعالج لدغة العقرب) المقررة في كتاب العلوم, يحفظها عن ظهر قلب تحسباً للدغة محتملة في بيت تسرح فيه العقارب وتمرح. سأعزل السلامية الأولى عن باقي الجسم, سأحكم ربطها, لن أدع قطرة صغيرة من السم تتسلل إلى جسمي, الاحتياط واجب.

قال سهيل:

ــ ليس لدي اعتراض على ربط الأصبع, أنا تهمني الجرأة, التنفيذ هو الذي يهمني.

ــ إذاً أنت موافق, أنا ذاهب لأحضر العقرب, لن أتأخر.
عاد مستدركاً:

ــ أين نلتقي؟؟

ــ في الكراج عند كومة التبن.

وهو يجري مسرعاً إلى البيت, فكر برو في حسناته, الحسنات الكثيرة التي جمعها من قتله العقارب والدبابير, ستصادر لي الملائكة حسناتي بإقدامي على فعلةٍ منكرة كهذه, ضري بيده طارداً ذبابة الخاطر المؤنب, سأربح مائة ليرة وأكسب قلب رشا العصي وأنال إعجابها, لن أغضب الملائكة جامعة الحسنات, لأنني سأقتله بعد اللدغة, إن لم يمت متأثراً بدمي, لأقتلنَّه شرّ قتلة, فلتطمئن الملائكة ولتضع أيديها وأرجلها في مياه باردة, العقرب لن يهرب, سأربطه بخيط, وأعقل الخيط إلى المسمار أو وتد أدقه في الأرض.

وصل برو إلى البيت, خفّ إلى الإبريق النحاسي وغمسه في مياه البركة إلى أن غرغر ممتلئاً, حمله وهرع إلى غرفة المستودع, الغرفة الأكثر ازدحاماً بالحشرات والعقارب من بين غرف البيت, جثا أمام أحد الجحور وطفق يسكب, سيكون استفتاحاً طيباً لهذا الموسم يا فتاح يا عليم, يا رزاق يا كريم.
لعب الفأر في عب أمه فلحقته يجرها فضولها وخوفها من مقالبه, دفعت الباب مقتحمة وصرخت:

ماذا تفعل يا مقصوف العمر؟ كفاك سكباً للمياه في أساسات البيت, ستقبرنا فيه يا مقبور.

تابع برو دون أن يلتفت إلى أمه
هددته:

سيأتي والدك وأشكوك إليه.

ــ لا تطيلي لسانك علي, ألا تريني مشغولاً, انقلعي من وجهي
مغلوبة على أمرها أسرعت إلى خبزها الملصق بحيطان التنور تلحقه قبل أن يحترق وهي تدعو على ابنها وترجو الله أن يعينها على بلواها.
ملأ برو إبريقاً ثانياً وعاد ليجثو على الجحر ويرويه, يبدو أن العقارب قد انقرضت من البيت, ويظهر أنَّ حملة المكافحة القاسية التي شننتها في العام الفائت قد فعلت فعلها.

غرق الجحر الثاني في الماء دون أن يلوح شيء في أفقه المظلم.

ــ ما هذا الحظ الـ ...

اقترع قرعة (الله, الله, ما أصدق غير كلام الله) وقعت القرعة على الجحر الأيسر, ومن أول جرعة تناهت إليه خشخشة, تابع برو السكب فرد عليه الجحر بأن أطلق العنان لعقرب, يا ويلااااه, ما هذا, أهذا عقرب أم تراكس, صفر برو تصفيرة طويلة, وعقرب أشقر أيضاً؟؟ من أين أتى هذا العقرب البري؟؟ إنه يشبه عقارب جبل عبد العزيز, لم يدعني أبو سهيل أهنأ بحرق العقارب وشيّها, طردني شر طردة.. معه حق.. المصلحة مصلحته والآليات آلياته, نصف صهريج من الماء الحلو سرقته وهدرته في جحور عقارب الجبل.

ــ ايييسسسسسسسـ س , أهذا ذنب عقرب أم سكة بلاو؟؟

وقف العقرب أمام الجحر يتشمم الهواء ويتحسس المكان, تلمع في قوس ذنبه المشدود الإبرة الجهنمية, نقره برو برذة ماء فركض طائراً وقد انتفخت ملاقطه غضباً من المزاح الثقيل من يرى عضلاتك يا ابن المائة أب, يظن أنك لم تكن مستغرقاً في سباتك الشتوي, إنما منهمكاً في التدريب على حمل هذا الحائط الكبير, أسره برو بالكأس الزجاجية, وجلس يتأمله, فكر في التنقيب عن عقرب أصغر بديل, لكنه أبعد الفكرة عن رأسه, فالجحور مقفرة على ما يبدو, هزّ قبضته بحزم وشجاعة سيكون هذا العقرب الأشقر لائقاً بالخدمات الجليلة التي سيقدمها لي.

ــ قلب رشا العصي.
ــ ومائة ليرة زاهية مثل العروس.

لكن هذا العقرب لن تستوعبه علبة كبريت, لم يبذل جهداً كبيراً في البحث عن علبة لحم فارغة, وجدها في قمامة الحارة المبعثرة في زاوية الشارع, وضع العقرب في العلبة بملقط مكون من عودين وركض كما لو أنه يخشى من تريث أو وقوف يجعله يقلّب المسألة تقليباً يحمله على تغيير قراره, الرجل يربط من لسانه, قطعت له وعداً وسأكون عند كلمتي.

وصل برو..
كان سهيل بانتظاره.. وضع العلبة على الأرض, راح سهيل يتعاطى على قدميه مستطلعاً داخلها بفضول, ناوله المائة ليرة, أخذها, تركها في يده اليمنى, لن يحظى بها حبيبي إلا بعد إنتهاء اللدغة_ بسلام إن شاء الله_ عقد برو عقدة في الخيط, أدخل في العقدة طرف الخيط الحر وشكل عقدة متحركة, هزها عدة مرات ورماها على ذنب العقرب كما يفعل رعاة البقر في أفلام الكاوبوي.

سهيل كان واقفاً يحملق بدهشة..
قطعة الجليد جاهزة, ستخفف من الألم, برو كان يضعها على الأماكن الملدوغة في جسمه, كانت تريحه قليلاً, الشفرة جاهزة, بعد اللدغة مباشرة سأجرح إصبعي وأمتص الدم الملوث بالسم, العدة كلها جاهزة, لا داعي للخوف, لن تكون أكثر ألماً من لدغة الدبور الكبير, ألم ساعة وسعادة شهور..

ــ ستحظى يا ... بلدغة مجانية لم ينلها عقرب منذ آدم عقاربكم.
ليزيد من تصميمه, اقترح سهيل:
ــ هل تريد أن أنادي رشا؟؟
من يدري..ربما تكون اللدغة مؤلمة وتضطرني إلى البكاء؟؟
ــ لا تناديها فيما بعد, بعد اللدغة تناديها.
واحد..اثنان..اثنان ونصف..اثنان وثلاثة أرباع..اثنان و..هيا يا برو,إلى متى ستبقى تعد, لم تكن جباناً قط؟؟ماذا جرى لك؟؟
ــ ثلااااااااااثة.

اشتعلت المبارزة..
مبارزة بين فارسين متفاوتين حجماً وسلاحاً, واحد كبير والثاني صغير, واحد سيفه إصبعه والثاني سيفه إبرته المسمومة..جدال من سم ودم احتدم:
يكّر برو بإصبعه على العقرب ويفرّ, والعقرب مسعوراً ينقضّ عليها كالمغناطيس تطاير الشرر من العيون, احمرّت الحدق وحمي الوطيس, كثر الإقبال والإدبار, الشد والإرخاء, الترغيب والترهيب _ التقريب والتبعيد, القيام والإقعاء, المناورة والمحاورة, ارتفع نقع وثار غبار, ينقره برو نقرة مباغتة من اليمين ثم يردفها بأخرى من اليسار, والعقرب يندار عليها بسرعة ومرونة مثل جرار الفورت ذي المقود الهيدروليكي, نقرات برو شبيهة بنقرات المكوجي للمكواة لتقدير جاهزيتها للكي, يجب أن أحسم الأمر وإلا طالت هذه المبارزة الملعونة إلى ما لا نهاية.

ــ ع ع ع ع ع ع ع ع ققققـ ررررررب.
دعس برو على مكابح يده فانكفأ على ظهره من شدة المفاجأة, تدحرج كما لو أن شاحنة قاطرة مقطورة تجاوزته وكادت أن تدحمه..
اعتكر وجه سهيل ولاحت عليه الليمونة, تقهقر إلى الوراء وأشار لبرو بالتوقف عن اللعبة الخطرة.

يا للبخيل الجبان, المائة ليرة ستكون من نصيبي,سآخذها يعني سآخذها, اللقمة وصلت إلى الفم, فقط تعوزني بعض الشجاعة, إصبعي لا تطاوعني, سأستمر في الكر والفر إلى أن ألدغ في غفلة..
أي نوع من الغفلات هذه الغفلة!!!
فجأة دوت صرخة أجفلت لها آليات الكراج.. لم تكن صرخة عادية.. ربما صرخة إسرافيل في الصور؟

رمى برو المائة ليرة كما لو أنها مائة عقرب!
أطلق العنان لقدميه وركض, ركض وركضت معه أنقاض البيوت وجثث الغيوم وأشلاء الأرصفة والسماء المقلوبة وحجارة مدماة, وأشجار تتقافز كالجنادب...
تناهى عواؤه إلى أمه, زعقت لزعيقه, اختلط الزعيق بالولولة, الصراخ باللطم اللطم برؤوس الجيران, السوق المهشمة بالجحور بالدبابير والخرابات المهجورة والقيعان. مدافئ نابحة..محاريث بنوارج ..أكياس قمح. عقارب.. ماء. وحل وبرغل أرض تنزف..دم مكسور ..عمامات صلبة.....

ــ ضعوا على إصبعه ملحاً.
ــ اكووها.
ــ نادوا السيد.. سيشفيه بعون الله.
انفسح الحشد لتقدمه المهيوب نحو فحيح برو وفمه المزبد..بسمل, حوقل تناول يد برو وجعل يهمس ببعض التمائم والتعاويذ, تفل, ختاماً لتعاويذه تفلة هلامية لزجة, ودعكها بإصبع برو..

ــ ادعوا الله أن يشفيه.

انتفخت التفلة؟ تموجت,تلاطمت, تهدلت, تأخرت, تقدمت, تحجرت, ادلهمت, تخثرت, طارت, حجبت السيد والجرار والناس..لم يعد برو يرى وسط فقاقيع الألم, سوى بقعة سوداء متوهجة, لامعة كنصل محمى, في رأس إصبعه الوسطى المثنية والمسددة إلى وجهه.. مزق أفكار عرجاء لا تزال تشتعل وتنطفئ, كضوء سيارة الإسعاف, في رأسه, عرف أهمها..عرف, أنه .. سقط .. بالإصبع .. الوسطى .. القاضية .

تمّت.

User offline. Last seen 3 سنة 18 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/08/2007

جميل ما كتبته أنها جولة رائعة إلى الأمام

***************************************

 الحريه..... الكلمه الاجمل بكل لغات الارض