مقالة الزلزال العراقي لخالص جلبي

رد واحد [اخر رد]
User offline. Last seen 16 سنة 23 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 10/09/2007

هذه مقالة رائعة للاستاذ خالص جلبي من كتابه الزلزال العراقي

الزلزال العراقي
ونهاية الأنظمة الشمولية العربية

فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود. وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد. وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود.
إنني أتعجب من العقل العربي هذه الأيام ومن نوعية التحالفات التي تضم مزيجا يثير العجب والضحك بين المثقفين والفضائيات وصدام. فمن كان فيه بقية من ذكاء وعقل يقول إن صدام مختبيء في ملجأ سري وسيعود مقاتلاً فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأها الأمريكان جورا. مع ولديه الطاهرين طبعاً. والعراق بلد الأساطير فمنها نبعت أسطورة جلجميش. وفيها اختبأ الإمام في سرداب قبل ألف سنة وما زال الأتباع ينتظرونه ويدعون أن يعجل الله فرجه.
ولو ظهر صدام وبدأ بقتال الأمريكان فسوف يصبح بالتأكيد الإمام المهدي وينضم إليه (المجاهدون) المغفلون. وتصدر له الفتوى بأنه إمام الموحدين وسيد الغر المحجلين. وسوف تظهر الجماهير وهي تصفق بالدم بالروح نفديك يا صدام؟ ولسوف يفرح الكثير من مراسلو المحطات الفضائية العربية الذين أصابهم الكمد باختفاء النجم. فنطقوا بسقوط الصنم بحزن وهم يصلون. ونحوم من هذه النوع تسطع لأن العرب يعيشون في بهيم الليل. أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت؟
فهذه العقول التي أشربت العجل في قلبها حقبة طويلة تحولت إلى كائنات ممسوخة تحت أرضية يبهرها شعاع الشمس كما جاء في قصة الكهف عند أفلاطون. فعندما خرج الرجل من الكهف فأبصر الحياة ورجع إلى قومه اتهم بالجنون.
ومنهم الذي كنت تظنه فيلسوفاً ينطق بالحكمة لتكتشف أن كل الحكمة تبخرت من أسطره ليرى أن إسرائيل هي سبب تخلفنا وهي التي أعاقت نمو الديموقراطية بين ظهراني العرب. مع أن إسرائيل تسبح في الديموقراطية؟إن الحقيقة موجعة ولا تقال. أو من يقول أن الاتحاد السوفيتي سقط لأن أمريكا استدرجت المعسكر الاشتراكي إلى التسلح فنزف حتى الموت وسقط. وينسى (دين الإكراه) الذي عاش الناس في ظله. وأن انهيار الاتحاد السوفيتي جاء من داخله قبل أن يكون هجوما خارجياً. وكما يقول (توينبي) عن علة انهيار الحضارات أنها تموت بالانتحار. كما ماتت دولة آشور (مختنفة في الدرع). وهي نفس الحجة التي رويت عن هزيمة هتلر في الجبهة الروسية بسبب البرد. وينسون أن الناس رحبت بالنازية أولاً لتندم على الستالينية فهي على الأقل تحافظ على حياتهم ولو كانوا خنازير؟ أما النازية ففرغت الأرض منهم ولم تبق عليهم. وهذا الذي حافظ على رقبة ستالين. وأعجب من أدلى بالحكمة هم (العسكريون) الذين طلبوا للإدلاء بآرائهم مثل النجار الذي يستفتى في علم الوراثة. فقالوا إن تبخر النظام (الستازي) الصدامي كان بسبب تفوق الآلة العسكرية الأمريكية وفاتهم أن الجيش تبخر بدون قتال. كما قال الشيطان لله أن سبب غلطه هو الله "بما أغويتني" وهي حجة مريحة للعرب أن يسبحوا في العاصفة حتى الغرق.
إنه مهرجان رائع للفكر العربي حيث تعرض بضائع فات وقتها. وهي لحظات مدمرة تظهر تفاهة العقل العربي على لسان حكمائه. وأنه لم يبق في أرض العرب مثقفون. والمحظوظ من استطاع متابعة الأخبار بثلاث لغات.
ومن أعجب الأمور الخفية في موت الأمم مرض (الوثنية) فترفع الصور وتنصب الأوثان. ونفهم لماذا هرب إبراهيم عليه السلام من العراق قديما ودعا الله أن يجنبه وبنيه أن يعبد الأصنام" إنهن أضللن كثيرا من الناس" ونحن نظن أن فرعون وحزبه في القرآن هو بيبي الثاني الذي حكم في الألف الثانية قبل الميلاد. ولا يخطر في بالنا أن يكون صدام وحزب البعث. الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد.
هذه الصور يرفعها اليوم الجميع من طهران إلى كردستان وحتى المحيط الأطلسي حتى لا يفوت الخير الجميع من الفرس و العربان والأكراد والتركمان. فمنهم من يرفع صور الإمام. ومنهم من يرفع صور البرزاني ومنهم من يرفع صور صدام ومنهم من يرفع صور بوش. وهي كلها حكاية عن اغتيال العقل وعودة الوثنية. ومتى غابت الفكرة بزغ الصنم. مع أن أرض العرب ـ نظريا ـ هي أرض التوحيد؟ ولم يحرم الإسلام الصور من فراغ.
إن (الشرك) مثل مرض القراد الذي يصيب النحل فيقطع أجنحته فلا يعرف الطيران وجني الرحيق. وهذا المرض يصيب كل الأمم ولتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لاتبعتموه.
ومن أعجب الأمور (الفتاوى الدينية) التي تدعو للجهاد في سبيل الطاغية. ونحن نعلم أن قصة عناق (الجبت والطاغوت) قديمة. ومنذ أيام سومر كان الكهنة يكتبون للحكام أنهم من نسل الإله ومن خرج عليهم فهو خارج على الملة والشريعة.
وفي يومٍ كان رجل يضرب بالحجارة في الطائف لأنه (مرتد) عن الملة حتى امتلأ حذاؤه بالدم واشفق عليه رجل من نينوى (الموصل) حاليا فقدم له عذقاً من عنب. وقال قد سبقك إلى هذا نبي الله يونس. والسؤال المزلزل هو لو كنا معاصرين للأحداث هل كنا سننصره أم سنكون مع الضاربين؟
إننا اليوم نصلي عليه أنه نبي الرحمة لأننا ولدنا في ثقافة لا تستطيع إلا أن تحترمه بعد أن رفع ذكرها في العالمين. ولكنه لم يكن كذلك في عيون المجتمع الميت وقتها. ونقل هذا التصور إلى مفاهيمنا الحالية أننا على دين آباءنا نحمل آصارهم والأغلال يجعل الأرض تنفتح تحت أقدامنا فنكون من الأسفلين.
ومن ينظر إلى هدم تماثيل طاغية دجلة يتساءل من هم الموحدون ومن هم الوثنيون؟ إنها لحظات تاريخية لمعرفة سيكولوجية الشعوب.من هو المؤمن ومن هو المشرك؟ من يقيم الأوثان أم من يكسر الأصنام فيجعلهم جذاذا ؟ الشيوعي الذي يسجنه الطاغية في الإفرادية 17 سنة أم واعظ السلطان الذي يقسم على الله أن الطاغية وذريته من أصحاب اليمين؟
في عام 1895 م كتب (جوستاف لوبون) كتاباً مثيراً عن (سيكولوجية الجماهير) أن (الفرد) يتمتع بالعقلانية والاستقلال وقدرة النقد ولكن هذا الفرد عندما يكون بين الجموع يتحول إلى كائن بدون رأس تعتمد ارتكاساته على منعكسات النخاع وهي بدائية. فلا ننخدع بمن يهتف مع أو ضد. والعرب اليوم ودعوا العقل ويعبدون القوة ويؤلهون الأقوى ولذا خرجوا من دين صدام ودخلوا في دين أمريكا أفواجا. حتى يعود الوعي المغيب في المنفى فيدركوا أن القوة هي في الفكر وليس السلاح. وأن الجيوش تسقط في لحظة وأما الشعوب فتقاوم فلا تقهر. وهنا الرهان.
إن ما حصل في العراق (تراجيديا) لمن يشعرون ولكنها (كوميديا) لمن يفكرون كما يقول (دانييل جولمان) صاحب كتاب (الذكاء العاطفي). فهذا (الفراق) هو الذي جعل الفلسفة تتبخر عند من كان على سطح الفلسفة تلميذا يحسن النقل ولم يهضم العلاقات الخفية ولم يصبح بعد فيلسوفاً. وهي التي جعلت بقية (العقل) تضيع من عقول أهل الحكمة الذين يوجهون مؤسسات فكرية فيتصوروا أن الأموات يبعثون فيخرج صدام من تحت الأرض بعد أن أصبح جسدا على كرسيه كما حصل مع جثة نبي الله سليمان. فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
إن قوانين التاريخ تعمل بطريقتها الخاصة وهي لا ترحم المغفلين والجاهلين ومن أدخل إصبعه في النار احترقت. ومن وقف أمام المصعد (يدعو) سنة كاملة أن يعمل فلن يعمل. وهو يفتح ويعمل في لحظة بكبسة الزر الصحيح. وهذا يقص علينا كثرة الدعاء في العالم العربي لأنه لا يملكون سنن الأشياء. ومن فهم سنة الشيء تسخر له الشيء بدون دعاء. والدعاء إذا استخدم في غير موضعه مشى وفق قانونه. ومن يدعو على الكفار أن يدمر الله ديارهم فالذي يحصل أن ما سوف يدمر هو ديار المسلمين. وحين يسلط العذاب على القرى فلأنهم ظلموا وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا.
وقانون العذاب التاريخي لا يرتفع إلا بالرجوع عن الخطأ بنسبة عكسية. ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون. فمن رجع خُفِّف عنه العذاب ومن مضى متكبرا متجاهلاً قانون التاريخ زيد له في الجرعة حتى يرجع أو يهلك فيصبح سلفا ومثلاً للآخرين.
والتاريخ مملوء بأشلاء لانهاية لها من الحضارات . وعندما انحرف أهل سبأ عن قانون التاريخ أرسل عليهم السيل العرم ومزقهم كل ممزق وأصبحوا أحاديث فبعداً لقوم لا يؤمنون؟ .
وبغداد والعرب غير محصنين ضد قانون التاريخ الذي لا يحابي. ومن يعمل سوءً يجز به . والعرب عملوا السيآت وما زالوا. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
والأمة العربية ليست الأولى التي يطويها التاريخ. وموت الأمم لا يعني التدمير البيولوجي بل الانتهاء الثقافي ومن أبرزها اللغة. واليوم في مصر لا يوجد من بقايا الفراعنة سوى أهرامات معطلة وقصر مشيد ولا يوجد رجل واحد ينطق الهيروغليفية أو يعبد آمون. والعرب غير منيعين أو محصنين ضد أمراض التاريخ.
ومن أعجب الأمور أن الكوارث تعالج بكارثة أكبر فعندما دخل نابليون مصر هرع الناس إلى الأزهر ليقرأوا صحيح البخاري. وهناك من الوعاظ الدجالين الجدد من ينصحون باللطيفية أن يقرأ الناس حسبنا الله سبع عشر ألف مرة في اليوم. وهي مثل الجراح الذي يرى النزف فينشغل بالحديث بدل ضبط النزف بالطرق الفنية. فكل شي له طريقته التي تحقق نتائجه. ولكن العقل الإسلامي الغارق في الخرافة لن يرتفع عنه العذاب حتى يتخلص من الخرافة. وأهم ما في الخرافة أنها إسلام ضد الإسلام. في محنة ثقافة مزورة. وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا؟
إن ما حدث في الزلزال العراقي أنه صدع الأرض بعدة شقوق. فهو أدخل الشرخ إلى الأنظمة الشمولية المجاورة وعليهم أن يركبوا قارب النجاة قبل الغرق فيفتحوا البلد وينسلخوا من جلد الحزب كما تفعل الحية بتجديد جلدها وحياتها مع ربيع العراق وبناء التعددية الفعلية وتخليص الجيش من الطائفية والإسراع بالإعلان عن انتخابات بدون تزييف، تكون نتائجها ليس مائة بالمائة وليس 99% أو 97% وبأكثر من مرشح حتى يكون الانتخاب انتخابا وليس بيعة للخليفة المملوكي برقوق. قبل أن يدخل الآخرون عليهم الباب فإذا دخلوه فإنهم غالبون.
والأمر الثاني أنه إنجاز ثلاثي إنساني وعربي وإسلامي: فهو إنجاز بشري بجهد مشترك في التخلص من أي طاغية حتى يضاف إلى كوكبة المجرمين من التماثيل في متحف (مدام دي توسو) الشمعي في لندن.
وهو ثالثاً تذكير بإبراهيم عليه السلام الذي هرب من نمرود العراق فدمرت بابل تدميرا على يد داريوس عام 482 قبل الميلاد بما فيها الإله مردوخ معبود الجماهير صدام القديم. وهي روح جديد في العالم العربي يعطي العافية والأمل بقدرة الشعوب على التخلص من الأنظمة الشمولية والأصنام الكثيرة في دنيا العرب بعد أن انقطع الأمل وعجزوا عن التغيير الداخلي.
وفي قصة إزالة صنم الطاغية في بغداد ظهر واضحاً عجز الجماهير العربية عن إنزال صنم حجري بعد أن مات البشري بكل حماسهم وحبالهم وعصيهم وقفزهم وسلمهم بعد أن مات البشري فتجمعوا حوله كما يحتشد النمل على جثة ديناصور. ولم يسقطه في النهاية إلا الآلة العسكرية الأمريكية المحترفة. بنفس الطريقة من اجتياح مملكة النمرود. وهذا موجود في علم الطب باستخدام الصادات الحيوية الخارجية. وأي طبيب يترك مريضه في السرير ومعه التهاب صاعق اعتمادا على مقاومة الجهاز المناعي عنده يغامر بحياته. ولكن في النهاية فمن يحسم المعركة ليس الصادات الحيوية بل الجهاز المناعي في البدن. والصادات الحيوية تلعب الدور المساعد كما هو معروف في العلم الصيدلاني. والجسم الذي ينهار فيه الجهاز المناعي لا يمكن تركه أبد الدهر يعيش على الصادات الحيوية ولا يمكن. والجسم الذي يعيش في العناية المشددة وهو غائب عن الوعي في حالة موت دماغ سيموت بعد حين.
ونقل هذه المفاهيم إلى وضع العرق في ربيع عام 2003م أن الصادات الحيوية الأمريكية لن تنفع العراقيين إلا بوجود جهاز مناعي داخلي. ونحن نعرف أن من جملة آليات الجسم أنه لا يستفيد من الصادات الحيوية بعد حين بل ويكِّون ضدها حساسية ومناعة خاصة. والتحدي أو الحرب الفعلية بدأت الآن في العراق من أجل التخلص من شياطين صدام وبوش وبن لادن وأخطرهم هو الأخير.
إن ما حصل في العراق جيد وسيء. جيد بولادة الحرية من رحم الاستعمار البعثي وسبحان من يولد الحي من الميت. وهو سيء لأن الخلاص تم على يد قابلة أمريكية وهو يعني أن المجهول في المعادلة الرياضية هو قدرة الشعب والدخول الأمريكي يعني تلقائياً عجزاً عراقياً داخلياً ومن كان مشلولاً فلن يمشي قط بالعكازات الخشبية.
إن الزلزال في العادة ذو طبيعة ثلاثية: فوهة تقذف بالحمم وتصدعات تخترق طبقات الأرض وجهاز يسجل طيفه في أي مكان في الأرض. فأما اللافا فهي السلب والنهب في العراق وهو قانون طبيعي في انهيار الدول واليوم من يسلب العراقيون هم العراقيون. وينتقم المعذبون من جلاديهم والفقراء من دولة كانت ليست لهم. وأما التصدع فقد وصل إلى كل العروش العربية. وأما تسجيل قوته فهي عند البنتاغون وأما من يحلله علميا فهم علماء التاريخ. ولتعلمن نبأه بعد حين.
كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوماً آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.

User offline. Last seen 13 سنة 35 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 10/08/2007

وهذا هو الكتاب وهو يحوي مقالات اخرى قيمة

http://www.kulilk.comwww.kulilk.com/up//upload/3dfd6_1098.zip