عامودااااااااا

2 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 15 سنة 30 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 22/04/2007


(ندماءُ شَرْمُوْلا)

إلى جدي الأول، الملك أوركيش الحزين، تحت أنقاض مملكته في "كري موزا"، الحزينة، القريبة من عامودا الحزينة، باسمها الضاحكِ ـ التعريبِ: تل المال.

"لهفة الحلزون

لهفة القاتل

لهفة العاشق

لهفة الحق

لهفة محاريب المساجد

لهفة الكردي في رؤية عامودا.

لهفة مدينة بعيدة لمنفييها

لهفتكِ أيتها الغريبة في مدائحي

أيتها الغريبة من الجبل

أيتها الروح الذبيحة على آذان الفجر

حفنة من الصلوات مشدودة الى قلبي.

أيتها الغريبة في لهفة الحق وأعمدته المكسورة

ياغريبتي".

ـ الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. بصوت جهوري يرفع فاروق عقيرته، منتعلاً صندلاً، بقميص أبيض؛ أبيض مفتوح الصدر برياح الشيطان، تضرب حنانه الكثيف وحساسيته، في فجر من رذاذ المطر الزمهرير، ويقول: أعطني سيجارة. ويردف: "حلمتُ البارحة بأن آبار عامودا كلها قد سُدتْ". هي نبوءة الزمن الكالح الآن، الذي يمر على عامودا.

آبار بحرية نهرية ارتوازية مجنونة؛ لكن من ورائها تقام فيلات لصوص المصارف الزراعية ومدراء مؤسسات فلكية، ومساعدو هؤلاء المدراء، وهواء المدراء. يسرق أحدهم مبلغا فلكياً، يسجن لساعات، ثم يرفرف مثل طائر الرخ فوق عامودا، ثم يستقيل، ثم يبني فيللا من العاج والمرمر وخشب الصندل وخشب الفقراء وخشب الكورد، وخشب لامع مجلوب من الحزب الواحد الأحد، مصبوغ بماء الشيطان المسروق. ثمت فقراء بعثيون أيضاً، أجالهم الله على آفة الفقر والحاجة، يرسلون بأبنائهم إلى بيروت، ليصبغوا فيللات لصوص آخرين ـ حيتان.

***

عامودا، ليست قرية، ليست مدينة، ليست مكاناً، ليست زماناً، ليست موازين، ولا مقادير، عامودا السديم والغياب والولاة واللحم النيء في الصباح، اللحم الفوار من فرن كامل!، بادارة جديدة، عامودا الزيتون المجلوب من عفرين، عامودا...، أستشيط جوعاً: لقد وصلت من كوردستان إلى القامشلي، بعد محنٍ لم تكن رخيمة أبداً، داعبتُ جراء الحدود، ووحل الحدود، وانتظار الحدود، قهوة وسجائر، وشجار خفيف مع المسؤول على الجهة الثانية من "فيش خابور"؛ آبَ كل عائد إلى جهته المعلومة، بقيتُ الوحيد في عراء الحدود، يجري الماء، وبضعة أشجار تجري، وتجري ألغاز مختومة ببطاقة كليمة صغيرة: أنني سأبقى ربما هذا اليوم، في هذا المكان العراء، مكان مثل قصائد كافافيس غامض وواضح في آن؛ مكان محاط بالشتاء والوحل. حدود الله على الأكراد القتلى.

في قامشلي.. سأستشيط جوعاً في رحلة من الفجر إلى المساء، ثمت شهر رمضان أيضاً، وثمت أيضاً أنني أريد أن أصل الى جهة شجيرات الشيخ عفيف في الافطار. سائق التاكسي، يوصل حاجياته الروحانية إلى البيت في الطريق من المركز الثقافي العربي الموحد، إلى عامودا، أطلب منه خبزاً فقط. في السيارة ألتهم الخبز مع برتقالة كانت موضوعة أمامي، لم تكن تفاحة آخين ولات، كانت برتقالة السفر. قرى.. قرى للجيران الغرباء القادمين من السدود، قرية خالتي "ثريا"، حسين رومي - بريفا - غزاليك - موزان - أم ربيع - باب الخير - رنكو- حاتمية - هرمي

شيخو - نجموك - ثورة - هيمو – قامشلو؛ وكذا عكساً.

***

عامودا ليست مدينة، هي اشارات شفاعات من الله لأبنائها القتلى في سينما عاموادا، وفي سجن الحسكة ـ لأتذكر فلمز فرج كورو وأبي علي ـ، وقتلاها الذين هاجروها منذ أمد بعيد؛ هاجروا السينما وتل شرمولا ـ هل وصل التعريب إلى اسم غامض مقدس مثل تل شرمولا؟

قتلى عامودا، والبناء الميت للبلدية، وللمحكمة، ومبنى مديرية الناحية، وثلاثة مبان لثلاثة رجال: البناء الترابي الأول، الذي انتقل إلى مبنى البريد، المبنى الأنيق؛ كنا من ذلك المبنى الفرنسي نرسل رسائلنا على طاولة الرخام، إلى الله، نطلب منه أن يحول هذا المبنى إلى عويل لنا، وإلى ألا تنهمر العناصر على رسائلنا البسيطة المرسلة إلى دجاحات خالاتنا، لكن.. تحول المبنى إلى مبنى جاف ووحشي. مبنى الرجل الآخر، على مدخل عامودا، حيث الميرا ولصوص الميرا وقمح الميرا وبيت الميرا وأعشاب الميرا وحراس الميرا الغائبين دائماً عن لصوص الميرا. البناء ـ الرجل الثالث، لم أهتدِ إليه.

بناء كتوم في كل أرجاء عامودا. البيوت تدل على ساكنيها. فقر شديد وغنى شديد. كنتُ الغريبَ في مدينتي. شعور رافقني وأنا أقرأ في غرفة أمي جبن الصباح وخط فاروق ـ إبن خالتي، أقرأ المدى المذبوح على شفرة أضواء الترك تتلألأ على تخوم عامودا، وعامودا تغرق في الظلام والوحل وانقطاع الكهرباء. كنتُ أقرأ العميان، وأقرأ السطور الناقصة الكئيبة لحنين جارف إلى أمكنتي، التي عشت في شوارعها قبل مديات بعيدة: شارع الفاتورة، فلأستعد الزمن هناك: نحاس مرمي على باب دكان "حجي صبري" نحاسٌ أباريقُ، نحاسٌ جريحٌ، نحاسٌ مسروقٌ، نحاسٌ متألمٌ، نحاسٌ توريةٌ، ونحاسٌ من ديكة غوتنبورغ، تأتي عربة الحمال "صورو" تغالبني شقاوة أن أكون تحت عجلتيها، فأكون، اشارة جريحة على كاحلي إلى الآن. شارة شقاء، اشارة عامودا أنني كنتُ غريباً فيها؛ شممتُ فيها رائحة حريق السينما، وشممتُ فيها رائحة آبار فاروق المسدودة ـ هي آبار مياه، آبار طائشة في أحلامه. شممتُ ورأيتُ صوتي القديم على سجادة أمي، صوتي الضائع مع هباب المدفأة، الضائع مع شمس شاحبة ذلك اليوم، وأنا أجالس أمي، أجالس الشيخ عفيف، وهما ينظران إلي، فيدمعان، ليتذكرا ابنهما الصغير الآخر في هانوفر، ليتذكرا أيضاً طيش العقوق، وجلساء العقوق، والحنين إلى شمس ليست شاحبة، وليست مارقة، وليست عاقة لأبنائها الغائبين الكثيرين؛ عامودا كانت لي، ولم أكن لها. كنتُ أقرأوها بعين غريبة، كنت أتيه في شوارعها أحياناً، لا أهتدي إلا ماكان في الذكرى القديم الكردي، وليست شوارع بني العباس، وآل عباس، ولصوص العباس المعاصرين في المصارف والمؤسسات العباسية. شوارع بتدوين غير شريف على لوحات حديد شريفة وجميلة. لقد تم تدوين البناء والوحل والنهر والخبز الآلي وسيرة الموتى وأسماء الكلاب، وأسماء أغلفة أعمدة الكهرباء وأسماء الأبواق، باللغة العربية في مدينة كردية صافية. أمد لحفيد محمد طلب هلال بجوازي السويدي. أفرش هتكي له على مائدته العنصرية، أفرش كتفي اليسرى الكردية الجريحة على عويل مبنى عامودا، وخيال عامودا، وأنزف الرحيل من مهاباد إلى مهاباد، كما يدون سليمو في حلبجه. وكما أدون النزيف من عامودا إلى غوتنبورغ: أنيناً أنيناً كان الجرو ـ الذي جلبته من قرية خالتي "ثريا" ـ يتبعني في بيت ابنة عمي عايدا، الجرو الذي سميته شيرو، وسميت ظله شيرو، وسميت ذيله شيرو، ووبره وخطمه ونزقه وهو يعارك الهواء وملعب نيشان القديم بـ شيرو، الجرو الذي يعاركني لأنني سأغيب عنه كثيراً إلى حلب، حيث آخين ولات تنتظرني مثل تفاحة.

***
يتبع

User offline. Last seen 16 سنة 9 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/01/2008

عامودا .............
جرح لا ينتسى

User offline. Last seen 12 سنة 47 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 21/06/2008

عاموداااااااا......... جرح سيبقى عالقن في لحدا موت