نظرة مختصرة إلى ماقبل التاريخ

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 8 سنة 41 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 09/12/2007


نظرة مختصرة إلى ماقبل التاريخ
إن العصور التي سبقت كتابة التاريخ تسمى بعصور ماقبل التاريخ وقد دامت هذه الفترة مئات بل آلاف السنين ونحن نعرف الشيء الكثير عنها كما لانستطيع توضيح ماجرى فيها سوى بعض التفاصيل القليلة وأن الكتابات والنقوش المتناثرة التي تعود الى هذه الفترة لاتعطينا إلا النذر اليسير بالنسبة الى هذه العصور الطويلة التي قطعتها البشرية لأن إنسان هذه الفترة لم يستطع أن يدون تاريخه وكان متوحشاً قليل الخبرة يعيش في سفوح الجبال وشقوقها وكهوفها واحتمى بالأدغال والغابات ليقي نفسه من الرياح العاتية والوحوش الضاربة والحر والبرد الشديدين والمطر المنهمر ثم خرج الى السهول فيما بعد بعد أن ابتكر وسائل تمكنه الدفاع بها عن نفسه فاتجه علماء الآثار والتاريخ الى تلك الكهوف وشقوق الجبال ونقبوا عنها واهتموا بحفرياتها ودرسوا عظام الإنسان القديم فتبين لهم أن الإنسانية مرت بمراحل طويلة جداً وقد اتخذت من أسماء تلك الكهوف والمواقع التي اكتشفت فيها آثار الإنسان أسماء لحضارات قديمة حيث تم فيها اكتشاف الكثير من عظام الإنسان ويقاياه وأدواته التي كان يضعها من الحجارة وعظام الحيوانات ومن النحاس والحديد كما تم التعرف على نوع الطعام الذي كان يتغذى به واعتماداً على كل ذلك تمكن العلماء من رسم خطوط عريضة للحضارات البشرية وخط سيرها وأطلقت على هذه الفترة اسم (العصر الحجري)نظراً لأن الإنسان استعمل الحجارة بكثرة في صنع أدواته في هذا العصر الذي ينقسم الى ثلاثة عصور:
أولاً: العصر الحجري القديم (الباليوليتيك):(1)
وهذا العصر قديم وطويل جداً ويبدأ من ظهور الإنسان وحتى أثني عشرة ألف عام قبل الميلاد ونظراً لطوله فقد قسمه العلماء الى قسمين.
أ- العصر الحجري القديم الأول ب- العصر الحجري القديم الثاني .
كما قسموا كل عصر من هذين الى حضارات نسبت الى المواقع التي اكتشفت فيها وعرف بها ومعظمها في فرنسا ففي العصر الحجري القديم الأول اكتشفت بقايا عظام الإنسان في كهوف تعود الىهذا العصر الذي تسود فيه أربعة مواقع حضارات وهي السابقة للعهد الشيلي،والحضارة الشيلية(2)،والحضارة الأشولية ، والحضارة الموسترية . وفي هذه المواقع تم اكتشاف جمجمة في عام 1929م أطلق على صاحبها (إنسان الصين)(1) في كهف (تشوكوتين) قرب العاصمة بكين واكتشفت معها بقايا عظام حيوانات وأدوات حجرية ويعود تاريخ انسان الصين هذا الى نصف مليون عام ثم ظهر إنسان جاوا واكتشفت بقاياه بعد إنسان الصين في جزيرة جاوا بأندونيسيا وبعده اكتشفت عظام إنسان (هيدلبرغ) في ألمانيا عام 1907م وكانت عبارة عن ذقن لشخص ينتمي الى فصيلة هذا الإنسان وفي عام 1911م عثر على بقايا إنسان (بلنتون) في إنكلترا.هذا ويعتقد المؤرخون أن إنسان اليوم (الإنسان العاقل)هو موسابينز قد ظهر في آواخر العصر الحجري القديم الأول (الأدنى)أي في الفترة التي تعود الى الحضارة الموسترية وقد تفرع عن إنسان نياندرتال واكتشفت بقاياه قرب دوسلدورف في ألمانيا عام 1927م.
أما العصر الحجري القديم الثاني فقد قسمه المؤرخون أيضاً الى عدة حضارات
1-الحضارة الأورنياسية: سميت بذلك نسبة الى الموقع الذي اكتشفت فيه وهي أورنياك في حوض نهر الغارون في فرنسا.
2-الحضارة السولترية: نسبة الى موقع (سولتري)الذي اكتشفت فيه.
3- الحضارة المجدلانية:وقد اكتشفت في موقع بهذا الاسم قرب الدوردون بفرنسا وهذه الفترة طويلة جداً.
هذا ويطلق على هذين العصرين اسم العصر الجليدي الرابع في أوربا وبالعصر المطير أو الزمن الرابع (البلايستوسين)في الشرق الأدنى.ظهر في هذا العصر إنسان(غريمالدي) الذي اكتشفت بقاياه قرب مدينة (مانتون) في فرنسا وكان يعيش في فترة قريبة من الفترة الأورنياسية كما كان ذو ملامح زنجية وقد دخل الى فرنسا من أفريقيا وفي عام 1868م تم اكتشاف بقايا إنسان (كرومانيون) في كهف وسط منطقة الدوردون في فرنسا وينتمي الى الإنسان العاقل وقد عاصر الفترة الموسترية وذو ملامح قوقازية طويلة الرأس.وفي العصرين الحجرين القديمين الأول والثاني عاش الإنسان في الكهوف مشاركاً الدببة مسكنها وكان يقتات بثمار الأشجار ويطارد الحيوانات والوحوش ليصطادها ويلتهم لحومها كما صنع بلطات حجرية ذوات اطراف حادة وأخرى مدورة تصلح للعمل والقتال والحرب وفيما بعد صنع أدوات أخرى كالمناشر والسكاكين والمطارق وأدوات حفر مصنوعة من الأحجار والعظام وأغصان الأشجار ثم اكتشف الإنسان النار واستعملها في البداية للتدفئة والإضاءة وإضافة الوحوش الضاربة وكان اكتشاف النار خطوة بشرية هامة وأساسية نحو حضارته العتيدة كما رسم صوراً لحيوانات على جدران الكهوف وأغلبها في وضعية الحيوان الجريح وأهمها صورة لغزال يخترق السهم جسمه ووجد في كهف (تاميرا) في شمال أسبانيا صورة ملونة لثور يعود الى الحضارة المجدلانية هذا بالإضافة الى صور الدببة والغزلان والفيلة والجواميس ورسوم بشرية أيضاً على هذه الجدران الموغلة في القدم.
ثانياً:العصر الحجري المتوسط (الميزوليتيك):
يعتبر عصر انتقالي بين العصرين الأول والثالث أي بدأ الإنسان فيه يسارع الخطى ليقذف بنفسه من العصر الحجري القديم الى الجديد وامتد 12000-7000عام قبل الميلاد بعض المؤرخين يعدون هذا العصر من العصر الحجري القديم لأنه ليس هناك تغيرات هامة فيه بالنسبة للعصر الذي سبقه ولكن تطورت هنا بعض الأدوات الحجرية وأصبحت أفضل آداء وأكثر صقلاً.
ثالثاً:العصر الحجري الحديث (الينوليتيك):
أمتد هذا العصر من 7000-4500عام قبل الميلاد وفيه استطاع الإنسان أن يطور الكثير من أدواته ويشذ بها ويحسن مستوى فعاليتها واستطاع أن يغير عاداته واسلوب حياته كما مس التطور والإرتقاء نواحي غذائه وطعامه فانتقل لأول مرة من مرحلة الصيد والمطاردة وأكل أوراق الشجر الى مرحلة الزراعة واستئناس الحيوان وتدجينه أي أصبح الإنسان صاحب مزرعة وأغنام وحيوانات وأموال وتجارة وبذلك حقق قفزة كبرى الى الأمام ويفضل البعض تسميته بعصر الزراعة والبناء والإستقرار حيث أصبح الإنسان فردياً وبنى مساكن ثابتة لنفسه وأخرى لحيواناته وكان مسكنه يوفر له الراحة من عناء نهاره الطويل كما أصبح هذا الإنسان بمأمن نسبياً من الوحوش المفترسة والفيضانات الكاسحة والعواصف الهوجاء لأن هذا العصر صادف نهايات العصر المطير فجفت المستنقعات والبحيرات والسواقي والأنهار والبعض من الينابيع وأصبح الإنتقال على الأرض سهلاً ميسوراً فخرج الإنسان من كهوف الجبال الى السهول الرحيبة وبنى مسكنه فيها محاذياً الأنهار والبحيرات التي لم تجف وبدأ يحرث الأرض ويزرعها ولكنه هجر فيما بعد ضفاف البحيرات والأنهار خوفاً من الفيضانات المريعة في ذلك الوقت.وكانت تلك بداية تشكل العوائل والعشائر والقبائل التي اختلطت ببعضها وزاحمت بعضها الأخرى على موارد الكلأ والماء وبدأ الإنسان كما أسلفنا بتدجين الحيوانات البرية واستحوذ على المراعي ليرعى حيواناته فيها وبما أن المياه قد قلت في هذا العصر فقد لجأ الناس الى نقلها بالجلود والقراب على اكتافهم من مسافات بعيدة لهم ولحيواناتهم لأنهم كانوا قد سكنوا بعيدين عن مصادر المياه خوفاً من الفيضانات ثم تعلموا استخدام الحيوان للركوب ونقل المياه وبذلك تحولوا الى أنصاف رحل كما استخدموا الحيوان في الحراثة والجر والدرس وصنعوا بيوتاً من شعر الماعز يسهل نقلها ونصبها كما بنى بعضهم قرى صغيرة وصنعوا أوان فخارية وأدوات مصنوعة على الأغلب من حجر الديوريت الذي كان متوفراً في كل مكان ويحصلون عليها أحياناً عن طريق المقايضة كما صنعوا أدوات أخرى لحمل الماء والدرس والحصاد والحراثة فظهرت التجارة ونشط التبادل التجاري وظهرت الملكية الخاصة في المجتمع(1) كما ظهر في هذا العصر القوي والضعيف الظالم والمظلوم فالذي يملك الرجال والأسلحة تكون كلمته مسموعة ويسيطر على الأضعف الذي يفتقر الى المال والرجال فيلاحقه الظلم والإضطهاد وفي هذا العصر أيضاً انقسم الناس الى طبقات وظهر الحكام والمحكومين ولوى آلاف الناس أعناقهم لشخص واحد يملك أسباب القوة والجبروت وبدأت العشائر الأقوى تهاجم الأضعف وتقوم بسلبها ونهبها وفرض سيطرتها عليها وسيي نسائها وذراريها فنحن هنا أمام عصر انتصر فيه المال والقوة والكثرة وذو الثياب الفاخرة والسيوف الماضية على الضعف والفقر والجوع والعري حدث ذلك في مناطق الشرق الأوسط قبل غيرها حيث بدأت تجف سهولها أولاً بعد انتهاء العصر المطير فنزل الناس من الجبال والأماكن العالية ليعمروا السهول والبراريوبدأت الشعوب الجنوبية تهاجر شمالاً نحو المناطق الجبلية وضفاف الأنهار الخصبة كهجرة سكان شبه الجزيرة العربية الى بلاد مابين النهرين (دجلة والفرات)والتقت الشعوب المهاجرة في هذه المنطقة الخصبة ووقعت حروبطاحنة بينها أدت الى انتزاعها هذه المناطق من بعضها مراراً وقد ذابت بعض الشعوب ضمن أخرى في خضم هذه الصراعات التي كانت تبدو لانهاية لها.
رابعاً: العصر الحجري الرابع (الأحدث):
ويمتد من 4500-3200عام قبل الميلاد وتبدأ بعدها عصر الكتابة أو العصور التاريخية والمسمى (الكالكوايتيك)أو الإيتوليتيك حيث عرف الناس في هذا العصر النحاس والقصدير والبرونز الذي وجد في الألف الثالثة قبل الميلاد والحديد في الألف الثانية قبل الميلاد أما في أوروبا فقد ظهر الحديد في الألف الأولى لأن الأرض بدأت تجف كما استقر الإنسان في مناطق الشرق قبل أوروبا حيث تحقق في هذا العصر قفزات كبرى نحو الحضارة والإزدهار فظهرت المدن والدساكرد وانتشرت في كل مكان ودخلت الحيوانات كسلع تجارية وظهرت الكتابة وبدأ الانسان يدون تاريخه.

من كتاب تاريخ كردستان لجكر خوين