اعرف نفسك

4 ردود [اخر رد]
صورة  Shirzad's
User offline. Last seen 12 سنة 8 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/08/2006

اعرف نفسك

إنكم تسمعون كل يوم أحاديث في الجد وفي الهزل ، وفي الخير وفي الشر ،
أحاديث تدعو إلى الوطنية ، وأحاديث تسمو بالخلق ، وأحاديث فيها متعة وفيها تسلية ؛
ولكن حديثي اليوم أهم من هذه الأحاديث كلها , لأنه أمس الموضوعات بكم ، وأقربها إليكم
ولأنه دعوة لكم لتعرفوا أنفسكم .

لا تضحكوا يا سادة ولا تظنوا أني أهزل ، ولا تقولوا : ومن منا لا يعرف نفسه ؟
فإنه كان مكتوب على باب معبد أثينة كلمة سقراط :
" أيها الإنسان اعرف نفسك "
ومن سقراط إلى هذه الأيام ، لم يوجد في الناس " إلا الأقل منهم " من عرف نفسه !

ومتى تعرف نفسك يا أخي ، وأنت من حين تًصبح إلى حين .. تنام مشغول عنها
بحديث أو عمل أو لهو أو كتاب !
ومتى تعرف نفسك وأنت لا تحاول أن تخلو بها ساعة كل يوم تفكر فيها ،
لا يشغلك عنها تجارة ولا علم ولا متاع !
ومتى.. وأنت أبدا تفكر في الناس كلهم إلا نفسك .. وتحدثهم جميعا إلاها ؟

تقول ( أنا ) فهل خطر على بالك مرة واحدة أن تسأل : " من أنا ؟ " ؟
هل جسمي هو ( أنا ) ؟ هل أنا هذه الجوارح والأعضاء ؟

إن الجسم قد ينقص بعاهة أو مرض ، فتُبتر الرجل ، أو تُقطع اليد ، ولكن لا يُصيبني
بذلك نُقصان !!

فما ( أنا ) ؟

ولقد كنت يوما طفلا ثم صرت شابا ، وكنت شابا وصرت كهلا ، فهل خطر على بالك
أن تسأل : هل هذا الشاب هو ذلك الطفل ؟ وكيف ؟
وما جسمي بجسمه ، ولا عقلي بعقله ، ولا يدي هذه يد يده الصغيرة ،
فأين ذهبت تلك اليد ؟ ومن أين جاءت هذه ؟

وإذا كانا شخصين مختلفين فأيهما ( أنا ) ؟ هل أنا ذلك الطفل الذي مات ولم يبقَ
فيّ شيء من جسد ولا فكره بقيّة ؟
أم أنا الشيخ الذي سيأتي على أثره بجسمه الواني وذهنه الكليل ؟ ما أنا ؟

وتقول : "حدّثت نفسي ، ونفسي حدّثتني "
فهل فكرت مرة ، ما أنت ؟ وما نفسك ؟ وما الحدّ بينهما ؟ وكيف تحدّثك أو تحدثها ؟

وتسمع الصباح جرس الساعة يدعوك إلى القيام – فقد حان الموعد –
فتحس من داخلك داعيا يدعوك إلى النهوض ، فإذا ذهبت تنهض ناداك مُناد
أن تريّث قليلا واستمتع بدفء الفراش ، ولذّة المنام .
ويتجاذبك الداعيان : داعي القيام وداعي المنام . فهل تساءلت
ما هذا ؟ وما ذاك؟ وما أنت بينهما ؟ وما الذي يُزيّن لك المعصية ومن
يُصوّر لك لذتها ، ويجرّك إليها ؟ وما الذي يُنفّرك منها ، ويُبعدك عنها ؟
يقولون : إنها النفس وإنه العقل .
فهل فكرت يوما ما النفس الأمّارة بالسوء ، وما العقل الرادع عنه ؟ وما أنت ؟

وتثور بك الشهوة ، حتى ترى الدنيا كلها مخدع الحبيب ، والحياة كلها متعة الجسد ،
وتتمنى أماني لو أُعطيها شيطان لارتجف من فظاعتها الشيطان ، ثم تهدأ شهوتك
فلا ترى أقبح من هذه الأماني ، ولا أسخف من ذلك الوصول !

ويعصف بنفسك الغضب حين ترى اللذة في الأذى ، والمُتعة في الانتقام
وتغدو كأن سبعا حلّ فيك ، فصارت إنسانيتك وحشية ...
ثم يسكت عنك الغضب ، فتجد الألم فيما كنت تراه لذة ، والندم على ما كنت تتمناه .

وتقرأ كتابا في السيرة ، أو تتلو قصة ، أو تنشد قصيدة ، فتحس كأن قد سكن
قلبك مَلَك فطِــرْت بغير جناح إلى عالم كله خير وجمال ، ثم تدع الكتاب ـ
فلا تجد في نفسك ولا في الوجود أثارة من ذلك العالم .

فهل تساءلت مرة ما أنا من هؤلاء ؟ هل أنا ذلك الإنسان الشهوان الذي يستبيح
في لذّته كل محرّم ويأتي كل قبيح ؟
أم ذلك الإنسان البطّاش الذي يشرب دم أخيه
الإنسان ، ويتغذّى بعذابه ويسعد بشقائه ؟
أم ذلك الإنسان السامي الذي يُحلّق
في سماء الطّهر بلا جناح ؟ أسبعٌ أنا ، أم شيطان ، أم ملَك ؟

أتحسب أنك واحد وأنك معروف ، وأنت جماعة في واحد ، وأنت عالم مجهول ؟
كشفتَ مجاهل البلاد ، وعرفت أطباق الجو ، ولا تزال أنت مخفيّا ،
لم يظهر على أسرارك أحد . فهل حاولت مرة أن تدخل إلى نفسك فتكشف مجاهلها ؟

نفسك عالم عجيب ، يتبدّل كل لحظة ويتغيّر ، ولا يستقرّ على حال :
تُحبّ المرء فتراه ملِكا ، ثم تكرهه فتُبصرهُ شيطانا ، وما ملكا كان قط ولا شيطانا ،
وما تبدّل ولكن تبدّلت حالة نفسك !
وتكون في مسرّة فترى الدنيا ضاحكة ، حتى إنك لو كنت مُصوّرا لملأت
صورتها على لوحتك بزاهي الألوان ،
ثم تراها وأنت في كدر ، باكية قد غرقت في سواد الحداد .
وما ضحكت الدنيا قط ولا بكت ، ولكن كنت أنتَ الضاحك الباكي !

فما هذا التحوّل فيك ؟ وأيّ أحكامك على الدنيا أصدق ، وأي نظريك أصح ؟
وإذا أصابك إمساك فنالك منه صداع ، ساءت عندك الحياة وامّحى جمال الرياض
وطمس بهاء الشمس ، واسودّ بياض القمر ،
وملأتَ الدنيا فلسفة شؤم إن كنت فيلسوفا ، وحشوتَ الأسماع شعر بؤس إن كنت شاعرا ،
فإذا زال ما بك بقدح من زيت الخروع ،
ذهب التشاؤم في الفلسفة ، والبؤس في الشعر ...
فما فلسفتك يا أيها الإنسان وما شعرك إن كان مصدرهما فقط قدح من زيت الخروع ؟!

وتكون وانيا ، واهي الجسم ، لا تستطيع حِراكاً ، فإذا حاق بك خطر ، أو هبط عليك فرح
وثبت كأن قد نشطت من عُقال ، وعدوتَ عدو الغزال ،
فأين كانت هذه القوة كامنة فيك ؟ هل خطر على بالك أن تبحث عن هذه القوة
فتُحسن استغلالها ؟ هل تساءلت مرة عندما تغضب أو تفرح فتفعل الأفاعيل ،
كيف استطعت أن تفعلها ؟

إن النفس يا أخي كالنهر الجاري ؛ لا تثبت قطرة منه في مكانها ، ولا تبقى لحظة على حالها
تذهب ويجيء غيرها ، تدفعها التي هي وراءها ، وتدفع هي التي أمامها .
في كل لحظة يموت واحد ويُولد واحد ، وأنت الكل ؛
أنت الذي مات وأنت الذي وُلد ، فابتَغِ لنفسك الكمال أبدا ، واصعد بها إلى الأعالي
واستولِدها دائما مولودا أصلح وأحسن ، ولا تقل لشيء ( لا أستطيعه ) فإنك
لا تزال كالغصن الطري ، لأن النفس لا تيبس أبدا ، ولا تجمد على حال ،
ولو تباعدت النقلة ، وتباينت الأحوال ..
إنك تتعوّد السهر حتى ما تتصوّر إمكان تعجيل المنام ، فماهي إلا أن تُبكّر المنام
ليالي حتى تتعوّده فتعجب كيف كنت تستطيع السهر !
وتُدمن الخمر ما تظن أنك تصبر عنها ، فما هي إلا أن تدعها حتى تألف تركها ،
وتعجب كيف كنت تشربها !
فلا تقل لحالة أنت فيها ، لا أستطيع تركها ، فإنك في سفر دائم ،
وكل حالة لك محطة على الطريق ، لا تنزل فيها حتى ترحل عنها .

فيا أخي .. اعرف نفسك ، واخلُ بها ، وغُص على أسرارها ..
وتساءل أبدا :
ما النفس ؟ وما العقل ؟ وما الحياة ؟ وما العمر ؟ وإلى أين المسير ؟

~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~

لنحب كل الناس.. لنحب من يتفقون معنا لنتعاون معهم ، ونحب من يختلفون معنا لنتحاور معهم

User offline. Last seen 13 سنة 18 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 15/05/2007

shirzad,
بالفعل مقالة رائعة وفيها تنبيهات كثيرة تنبهنا أن نتأمل في أنفسنا أكثر .
ويحضرني هنا قوله تعالى:

((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))
سورة الإسراء ـ الآية 85

شكرا لك على هذه المقالة

صورة  Shirzad's
User offline. Last seen 12 سنة 8 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/08/2006

شكرا جزيلاً أخي evdel, على مرورك الجميل ...

وسباس على الاية الكريمة .. :wink:

~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~

لنحب كل الناس.. لنحب من يتفقون معنا لنتعاون معهم ، ونحب من يختلفون معنا لنتحاور معهم

User offline. Last seen 16 سنة 26 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/06/2007

مشكور اخ شيرذاد مقال كتير حلو
بانتظار المزيد من ابداعاتك

صورة  Shirzad's
User offline. Last seen 12 سنة 8 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/08/2006

شكرا اختي على االمرور
(بانتظار المزيد من ابداعاتك)

هذا المقال مو من ابداعاتي ولكني نقلتها .. عندما وجدت فيه من الفائدة والتنبهات المهمة ..فاصبح لدي الفضول لنقلها

*لا تقولوا الموضوع طويل .. ولكن تذكروا اهمية الموضوع بالنسبة إليكم*

~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~

لنحب كل الناس.. لنحب من يتفقون معنا لنتعاون معهم ، ونحب من يختلفون معنا لنتحاور معهم