حلم رجل مضحك

3 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 16 سنة 45 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/04/2006

أنا رجل مضحك, وهم ينعتونني الآن بالمجنون, و قد كان من شأن هذا النعت أن يكون رفعاً من
قدري لو أنهم تراجعوا عن اعتباري مضحكاً, كما فعلوا في السابق. لكنني بعد اليوم لن أغضب
عليهم, فجميعهم لطفاء بالنسبة لي حتى و هم يهزؤون بي, بل لعلهم يصبحون أكثر لطفاً حين
يفعلون ذلك, و لو لم أكن شديد الحزن و أنا انظر إليهم لضحكت معهم-ليس على نفسي بالطبع-
و لكن لكي أسرّي عنهم, شديد الحزن لأني أراهم يجهلون الحقيقة؛ بينما أعرفها أنا, ما أصعب
الأمر على من يعرف الحقيقة وحده, إنهم لن يفهموا ذلك.

لا لن يفهموا.

فيما مضى تألّمت كثيراً حين بدوتُ مضحكاً, لماذا أقول بدوت, لقد كنتُ مضحكاً, دائماً كنتُ
مضحكاً, و أعلم ذلك, ربّما منذ ولادتي كنتُ كذلك, و لعلّي عرفتُ هذا في السابعة من عمري, بعد
ذلك درستُ في الثانوية, ثمّ في الجامعة و كنتُ كلّما تعلّمت أكثر, أيقنتُ أنني مضحك, حتى لكأن
دراستي الجامعيّة كلّها ما وجدت إلا لتبرهن لي و تقنعني-على قدر تعمّقي في العلوم-بأنني
مضحك, سواءٌ في العلم أو الحياة, و عاماً بعد عام كنت أزداد يقيناً بأنّ لي شكلاً مضحكاً في شتّى
المجالات, لقد ضحك عليّ الجميع و في كلّ مكان, و ما عرف هؤلاء أبداً أنّه إن كان ثمّة من يدرك
أكثر من الجميع على الأرض كم أنا مضحك فهذا الشخص هو أنا بالذات, وقد أغضبني كثيراً أن
أحداً منهم لا يعرف ذلك, و لعلّي كنتُ مذنباً في هذا الشأن:فقد كنتُ دائماً عزيز النفس, ممّا
منعني دائماً أن أعترف لأحدهم بذلك, و قد نمتْ عزّة نفسي هذه مع السنوات, و لو حدث في يومٍ من
الأيام أن اضطررتُ للاعتراف بأنّني مضحك أمام شخص ما لهشّمتُ جمجمتي بطلقة مسدّس في مساء
اليوم ذاته, كم تعذّبتُ في مراهقتي من أنني قد لا أستطيع التحمّل و أعترف أمام رفاقي بأنني
مضحك, و لكن و منذ أصبحتُ شاباً-و رغم ازدياد معرفتي عاماً بعد عام بنوعيّتي الغريبة-بدأت
أصبحُ لسببٍ ما أكثر هدوءاً و اطمئناناً.
وما كان ذلك إلا لجهلي التام بحقيقة حالتي هذه, ربّما يعود الأمر إلى تلك التعاسة الغامرة التي
سيطرتْ عليّ إثر حالةٍ أقوى منّي؛ حالة اقتنعتُ فيها بشكلٍ راسخ و ثابت أنْ لا شيء في هذه الحياة
"يستحقُّ الاهتمام", كان الأمر فيما مضى مجرّد شكٍّ, لكنني اقتنعتُ بعد ذلك قناعة كاملة,
و أيقنت فجأةً بذلك يقيناً لا محيد عنه. بغتةً شعرتُ أنني لستُ معنياً سواء وجد هذا العالَمُ أم لم
يوجد. و بدأتُ أشعر و أحسُّ بكل جوارحي(أن لا شيء قد وجد أثناء وجودي أنا), في البداية كان
قد تراءى لي أن أشياء جمّة قد وجدت من قبل, ثمّ أدركتُ أن لا شيء من قبل قد وجد أيضاً, و لكن
لسبب ما تراءى لي ذلك الوجود, و شيئاً فشيئاً أيقنتُ أن لا شيء أبداً سيكون.
وعند ذلك فجأةً أصبحتُ لا أغضب من الناس, بل ما عدتُ ألاحظ وجودهم.
وقد تجلّى هذا في بعض التفاصيل الصغيرة جداً: مثلاً أنني كنت أسيرُ في الطريق فأصطدم بالناس,
و الأمر ليس بسبب استغراقي في التفكير: فبماذا سأفكّر, يومها كنتُ قد توقّفتُ عن التفكير في أيّ
شيء: لقد استوت الأمور كلّها في عينيّ, و ما عدتُ أهتمُّ لأمرٍ و لا فكّرتُ في حلّ سؤالٍ واحدٍ؟ ثمّ هل
كان ثمة أسئلة شغلتني؟(لم أكن معنيّاً بشيء) و لهذا تناثرتْ الأسئلة مبتعدةً.

و هكذا بعد كلّ ما سبق عرفتُ الحقيقة, عرفتُها في تشرين الثاني الماضي, و بالتحديد في الثالث
منه, و منذ ذلك الحين لم أنسَ لحظةً من تلك اللحظات, كان ذلك في ليلةٍ حالكة, ليلةٍ ما عرفتُ
أكثر منها ظلمةً, كنتُ عائداً في الحادية عشرة إلى منزلي و أذكر تحديداً أنني فكّرتُ أن من
المستحيل وجود ظلام دامس كهذا, حتّى من وجهة النظر الفيزيائية, كان المطر قد تساقط طوال
النهار, و كان من أكثر الأمطار برودةً و كآبةً, بل تهديداً, و عدائيةً للناس؛ أذكر ذلك, ثمّ ها هو ذا
يتوقّف فجأةً قرابة الحادية عشرة ليلاً, و ترتفع من الأرض رطوبة أشدُ برودةً ممّا كان المطرُ قد
صنعه, و يتعالى بخارٌ ما؛ من كلّ بلاطةٍ في الشارع, و من كلّ زقاقٍ يفضي إليه و تراه حين تُرسِلُ
نظرك إلى البعيد, عندها تهيّأ لي أن انطفاء مصابيح الغاز كلّها سيبعثُ الفرح, لأنّها على هذه
الصورة تضيءُ و تُظهِرُ كلّ هذا الحزن, لم أكن قد تناولتُ طعام الغداء ذلك اليوم, و منذ بداية المساء
جلستُ عند مهندسٍ و بصحبتهِ رفيقيه.

و بقيتُ طوال السهرة صامتاً, ممّا بعثَ في نفوسهم الملل منّي, تحدّثوا في أمورٍ مثيرة ثمّ استولتْ
عليهم الحماسة, لكنّهم كانوا في حقيقة الأمر يتصنّعون, لم يكن يهمّهم ما يتجادلون حوله, وقد
انتبهتُ إلى ذلك, فقلتُ لهم فجأةً: "أيّها السادة, إنّكم في حقيقة الأمر لا تكترثون".

لم يغضبوا مني, لكنّهم جميعاً ضحكوا ساخرين, ربّما لأنني قلتُ ما قلتُه دون أيّ لوم, و لأنني
ببساطة لم أكن معنيّاً بشيء, رأؤوا ذلك فغلب عليهم المرح.

حين فكّرتُ في مصابيح الغاز و أنا في الطريق رفعتُ عينيَّ إلى السماء؛ كانت شديدة الحلكة,
و بصعوبة يمكن تمييز مِزَقِ الغيوم, و بينهما بقعُ سوداء عميقة, في إحدى تلك البقع استطعتُ أن أرى
نجماً صغيراً فرحْتُ أحدّقُ به متأمّلاً؛ لقد أيقظ النجم فيَّ فكرةً: في تلك الليلة قرّرتُ الانتحار, قبل
شهرين منها كنتُ قد صمّمتُ على قتل نفسي, و رغم فقري الشديد اشتريتُ مسدّساً رائعاً, و حشوتُه
في ذلك اليوم نفسه, ثمّ مرّ شهران و المسدّسُ مرميٌّ في الدُرْج, و قد بلغْتُ من شدّة عدم اكتراثي أن
تمنّيتُ في النهاية أن أقبضَ على دقيقةٍ واحدة أحسُّ فيها أن شيئاً ما يستحقُّ الاهتمام, لماذا؟ لا
أدري, و هكذا و خلال ذينك الشهرين كنتُ أعودُ إلى البيت كلّ يوم و أفكّرُ بالانتحار, و أنتظر اللحظة المناسبة. من رواية "حلم رجل مضحك"

صورة  rojava's
User offline. Last seen 8 سنة 13 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/08/2006

شكراً جزيلاً صديق Hardy فعلاً قصة من رواية معبرة ....
"أصبحُ لسببٍ ما أكثر هدوءاً و اطمئناناً.
وما كان ذلك إلا لجهلي التام بحقيقة حالتي هذه, ربّما يعود الأمر إلى تلك التعاسة الغامرة التي
سيطرتْ عليّ إثر حالةٍ أقوى منّي؛ حالة اقتنعتُ فيها بشكلٍ راسخ و ثابت أنْ لا شيء في هذه الحياة
"يستحقُّ الاهتمام", كان الأمر فيما مضى مجرّد شكٍّ, لكنني اقتنعتُ بعد ذلك قناعة كاملة,
و أيقنت فجأةً بذلك يقيناً لا محيد عنه. بغتةً شعرتُ أنني لستُ معنياً سواء وجد هذا العالَمُ أم لم
يوجد." ........ :|

رغم تعاستنا مازلنا نملك إبتسامة تخفي آلامنا..جراح قلوبنا..تشّرد أرواحنا..
 http://www.facebook.com/hesen.rojava

User offline. Last seen 12 سنة 30 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/07/2006

و هكذا لن أضطر بعد اليوم ان أكذب على نفسي. و أتجنب النظرات السريعة لها في المرآة
لطالما أرقتني هذه الحكاية دون أن أعرف السبب.. و لكنني ما دمت أحتفظ بذلك المسدس الرائع فقد أصبح كل شيئ عندي سيان ..كل شيئ .... سيان
ينتابني الألم فقط عندما يعود الأمل و حينها أبدأ من جديد بالتفكير بالمسدس
هذه هي دورة حياتي الآن

شكرا هاردي

User offline. Last seen 13 سنة 18 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 15/05/2007

:roll: