الطريق الى الجحيم

5 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 10 سنة 9 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 27/03/2006

نقرة السلمان مكان محفور في ذاكرة الكرد. لا يمكن نسيانه ابداً، ذكريات مليئة بالجرائم الكبيرة، كبيرة لدرجة لا يمكن ان تندمل جراحها.
في عام 1988 و وفق خطة مدروسة نفذت عملية الأنفال، في مراحل مختلفة من قبل حزب البعث، و الذي كان في اوج سطوته الموجهة نحو ابادة الشعب الكردي، و كانت (نقرة السلمان) الواقعة في مدينة السماوة، المركز الرئيس لتجميع المؤنفلين الكرد.

و في زيارة لمجموعة من الشباب رأينا ذلك الجحيم الذي لم يخلق سوى للكرد والعرب.

و في صباح 5/3/2006، اتجهنا نحو (نقرة السلمان) حتى نعرف عن كثب المكان الذي كان مخصصاً لإبادة الأمة الكردية.

واصلنا رحلتنا وسط الرمال و نحن في السيارة، مثل المؤنفلين كنا نمعن للرمال، و التي تحولها الأعاصير الصحراوية و تنقلها من مكان لآخر، لكي تضع منها جبلاً من الرمال، و تضلل كل من يسلكها. تخيلت و فكرت و في الوقت الذي كنت امعن في الصحراء، و قلت في نفسي يا ترى هل الصديقان (علي) و (خالد) اللذان نظما الزيارة ينويان ان يؤنفلونا، و في الحقيقة اذا لم تشعر و لبرهة من الزمن في ذهنك بأنك تؤنفل، فمن المستحيل ان تحس بتلك الآلام و الجراح، كالتي عاناها المؤنفلون في هذا الطريق.

كلما كنا نسير اكثر في الصحراء، كانت تتسع و تظهر فضاؤها أكثر و أكثر، كانت الرمال على موعد معنا، و من خلالنا كانت تستذكر الكرد الذين غطتهم، و هي الآن مليئة بأصواتهم، فلا غرابة أن وصف الشاعر و الروائي الكردي (بختيار علي) في روايته (اخر رمانة الأرض). الصحراء بأن: ..الصحراء تملؤها الأصوات.. الرمال وحدها تفكر في الصحراء.. تسمعها و هي تناديك اثناء الليل..

رفع الجميع ستائر النوافذ ، كانوا يرنون في الرمال، كانت (زينب) هي ايضاً تتمعن في الرمال و تقول: (على كل كردي ان يأتي الى الصحراء، و الى هذا المكان، لكي يعرف الى أي حد تعذب المؤنفلون، و هذا واجب قومي)، لقد اهملت زينب مرافعتها في المحكمة بكونها محامية وفضلت المجيء معنا. و حسب اقوال الدليل الذي جاء معنا الى الجحيم، لم يبق سوى ظرف ساعة لبلوغ هدفنا، ركاب السيارة امسوا كلون و شكل الأنفال. (علي سوادي) كان يفكر في كيفية تحرير السجين نفسه من شيء اسمه (نقرة السلمان) و أكثر من مرة فسر و حلل، و لكن محاولاته كلها باءت بالفشل، و اخيراً وصل الى نتيجة يائسة و قال: (كيف تهرب تنفد بجلدك، في النهاية يجب عليك العودة الى السجن و تؤنفل نفسك بها).

كلما رنوت في الصحراء لم تكن هناك انفاس لها رائحة الحياة و لو بصيصاً منها، و لم اجد طرقاً تعطيك و لو ذرة من الأمل، فإن هذه الصحراء هي المكان الذي تدفن فيه كل انواع الأحلام، انها فضاء للأخصاء، و في هذا المكان نسي الله الكرد والمساجين العرب.

كلما اقتربنا اكثر كنا نشم رائحة الأنفال و لون الأنفال و كنا نشعر بصوت الأنفال و بأحلام الأنفال، و عند كل هذه المشاعر المتأججة، فجأة جاءنا صوت (كاظم) و كأنه اكثر منا حساً، فشعر بصوت المؤنفلين، ارتجت السيارة، حينما نادى: (هذه هي قلعة نقرة السلمان ارفعوا ستائركم). بهذا التلميح او التنبيه كان (كاظم) يشبه بطل فلم (1900) الذي صرخ بكل قوته لكل القاطنين على الباخرة و نادى (هذه امريكا)، عندما شاهد تمثال الحرية.

و لكن بعكس ركاب الباخرة الذين كانوا سعداء جميعاً، لأنهم كانوا يخطون نحو الحياة، و ركاب سياراتنا كانوا حزانى و مهمومين، لأننا نقترب من الموت كنا ننظر الى الجحيم، اما هم فكانوا ينظرون الى الجنة، و الابتسامة لا تفارق وجوههم. مع نزولنا من السيارة كنا امام سجن، جهاته الأربع تحيط بها اسلاك شائكة لم ار مثلها من قبل، لقد تجولت كثيراً حول القلعة، لكي افهم لماذا بنيت هذه الجحيم، و الذي لا يستطيع كائن من كان ان يهرب من حائطه السميك، يشبه الى حد قريب قلعة (فرانز كافكا). ترى لماذا هذا الجدار الضخم؟ ترى لماذا هذا السجن كبير الى هذه الدرجة؟ و فجأة اسعفني جواب و الذي خلع كل اسئلتي من جذوره، في وقتها تذكرت وحشية الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة في العراق، ان هذه القلعة مبنية لنا! و بسرعة تقدمت نحو الباب وتذكرت قصة الرجل المسن الذي روى قصته كشاهد عيان والذي كان يلقب بـ(الحاج) لكي يكشفوا لنا خفايا و اسرار و كيفية معاملتهم من قبل النظام البائد. و الحاج هو واحد من الأشخاص القلائل الذين نجوا بأعجوبة اردف قائلاً: (نحن في بداية الشهر الرابع من عام 1988، احتجزنا هنا ستة اشهر تقريباً، و قد جاءوا بنا بأطباء تابعين للنظام، و قالوا لن يبقى احد، الكل سوف يموتون.. ان هذا المكان عبارة عن طابقين كبيرين، لم يكن باستطاعة الأطفال العيش و البقاء فيه).

كلما كنت تنظر الى حجم السجن، كان المكان يبدو لك و كأنه يحوي من (7-10) الاف شخص، و نلاحظ من ذلك، ان النظام قصد من ذلك ضمهم و جمعهم الى مجموعات، و كل من كانت صحته تتدهور و يلقون حتفهم، يصبحون طعاماً للكلاب. و ان من حالفه الحظ و لم يمت، جعلوه صديقاً دائماً للصحراء و ينقلونه الى مكان مجهول عنا.

عندما قلنا ان الحاج نجا بأعجوبة، فان ذلك يعود الى الفترة التي وضعت الحرب العراقية – الايرانية اوزارها، و ضعفت بل انعدمت تقريباً الثورة الكردية في كردستان العراق، لذلك افرج عن الحاج مع بعض الأشخاص القلائل بعفو عام، لأن النظام كان يعتقد ان هؤلاء ليس بمقدورهم ان يصبحوا من (البيشمركه) او في الأقل ان يساعدوهم.

حتى نهاية زيارتنا للسجن، لم نكن نرى بعضنا البعض، و حتى في بعض الأحيان كنا نفقد اثرنا، و السبب طبعاً يعود الى حجم و كبر مساحة القلعة، و كنت اتجول في تلك القاعات التي لا تعد و لا تحصى و لكنها كانت تؤدي الى طريق واحد. و فجأة جذبني الانتباه الى شاشة تلفاز كانت مرسومة على احد الجدران، و هذا كان بمثابة الرمز الى كل من تحط بهم اقدامهم الى هذا الجحيم، لكي يعرفوا أن اناسا احياء تواجدوا من قبلهم هنا.

و اتجهت الى قاعة اخرى، و رأيت هناك شاباً من اهالي الديوانية في بداية كل عام يكتب التاريخ الى ان وصل الى سنة 1\1\1989 تفا جئت عندما اعاد كتابة نفس السنة أي 6\3\1989 حيث كتب ايضا اكلت اخر وجبة غداء في حياتي اني ذاهب الى الاعدام الان .ورأيت قصة شخص اسمه دارا طبعا هذه القصص مكتوبة على الجدران

انا في البداية كنت بقرية (مله سوره) و ثم جمعنا في -كرميان- و اركبونا بالحافلات العسكرية نحو قوره توو – و من ثم الى – توب زاوا – و بعد ذلك الى – دوبز – و الذي مكثنا فيه اربعة اشهر، و من هناك حملنا و لم نكن نعرف الى اين يأخذوننا، ثم وجدنا انفسنا هنا، و قد قضينا ظروفاً صعبة، انظروا الى هذا السجن ليست فيها اية مستلزمات للعيش كي تصان كرامة الانسان، ناهيك عن العذاب النفسي الذي كنا نعاني منه، و مات هنا العديد من الضحايا. والمتني قصة فتاة كتبت على الحائط دخلت السجن وانا باكر واليوم لدي ثلاثة اطفال لا اعرف ابائهم .لا اله الا الله شي رهيب

و بدأت القاعات و درجات الحرارة تزداد، و كنت اصغي لأصدقائي و هم يتحدثون عن الحجر المحروق في هذه الصحراء، و من الجدير بالذكر كانت هناك احجار من الممكن ان تكون قد جاءت عن طريق المؤنفلين كتذكار من قرى كردستان، حجر جميل كالحجر الذي يأتون به من – قره داغ –لكي يضعونه في احواض السمك، و لم اكن افهم لماذا كانت هناك احجار تحرق نفسها امام شمس الصحراء، و في اخر المطاف لم نكن نعرف لماذا تتواجد مثل هذه الأحجار في الصحراء، لقد جلب بعض منها كتذكار، و في هذه الأثناء عندما انشغل كل فكري بالأحجار، كنت افكر بالقاص (آكو) يا ترى في أي قاعة من القاعات يذرف دموعه و يخفي نفسه عن الكاميرات، و قد سمعت بعد ذلك انه رمى بقلمه في الصحراء و هو يبكي وكذلك المبدع كمال السيد قادر.

قاعة تلو القاعة و زاوية تلو الوازية في هذا الجحيم،

و قد كنا نمعن من نوافذ الغرف الى الخارج، كانت مصنوعة من الفولاذ و الحديد الصلب، و لم يكن هناك شيء سوى الرمال، و هذا يدل على انهم انتهكوا ابسط حق للانسان في السجون.

مع مرور الوقت كنا نتواءم مع المكان، و كفرد مؤنفل كنا نفتش الغرف و التي لم تكن فيها نوافذ، و كنت اتجول في الغرف الانفرادية، فكل من يدخلها تنحبس انفاسه، و نادراً ما كنت اشعر انني شخص حر طليق.

و تعجبت لأنني لم اكن اعرف كيف اتحرك و اتجول، و في اكثر الأحيان كانت انفاسي منحبسة، و كأنني سجين هذا المكان.

حتى جاء الى مسمعي صوت ينادي: (من بقي في الداخل؟.. اننا نرحل). و بعد ساعات طويلة من الجلوس في السيارة، كنا نشعر اننا مؤنفلون، و بعد قضاء يوم كامل، لم يدخل النوم جفوننا، كنا نفكر بعجائب الأنفال، و في اليوم التالي و عند عودتنا كان اكثر الحديث يدور حول الزيارة و استمرارها في تجمعاتها و عدم انقطاعها، و اعطاء دور حقيقي و بارز لقضية الأنفال، و كانت المناقشة حادة و ساخنة بين (علي وزينب وخالد حلاوة الصحفي في مجلة انكيدو اليابانية) و كان جم حديثهم حول كيفية الضغط على الحكومة لكي تجعل من الأنفال مناسبة و قضية كبيرة في العراق..

كان الإرهاق و النوم يشاكسانني، لم اعرف هل كان حلماً أم خيالاً، سمعت صوتاً يقول: (ترى هل سوف نؤنفل مرة اخرى في المستقبل؟) و فجأة ارتجفت من مكاني و قلت (ماذا؟) و بسرعة البرق رد علي (خالد) و الذي جاء معنا كصحفي و قال: (لا شيء انك تحلم).

User offline. Last seen 10 سنة 39 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 22/08/2006

شكرا لك أخ آراس على هذه المعلومات التي كنت أجهلها
ورحمة الله على كل الشهداء الذين قتلوا في هذه المجزرة التي أرتكبها ليس من طبعي أن أشتم لكنه كلب أبن كلب
واضيف (اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر)

User offline. Last seen 9 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 23/08/2006

الف شكر اخي اراس ...والله فتحت جروحاتنا وحطيتنا بالجو........ياريتني كنت معكون
واكراما لهولاء الشهداء لاتنسو يا شباب موعد الاحد الساعة 11 صباحا لنوقف دقيقة صمت على ارواح شهداء الانفال :!: :!: :!: :!: :!: :!: :!:

User offline. Last seen 10 سنة 9 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 27/03/2006

اشكركم عى مروركم الجميل يا اصدقاء ... و اكيد ماحننسا MIR DILO,

هدول شهدائنا ........... كرامتنا

User offline. Last seen 9 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 23/08/2006

الله يعطيك العافية يا اراس :wink: :wink: :wink: :wink: :wink:

User offline. Last seen 10 سنة 9 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 27/03/2006

هلاااااااااااا MIR DILO,