شقاء غربة - إلياس فرحات

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 17/08/2006

أُرَاقِبُ فِي الظَّلْمَاءِ مَا اللَّيْلُ يَحْجُبُ
وَأَقْرَأُ فِي الأَسْحَارِ مَا اللهُ يَكْتُـبُ

وَأَسْتَعْرِضُ الأَيَّامَ يَوْمِي الَّذِي مَضَى
دَلِيلٌ عَلَى يَوْمِـي الَّذِي أَتَرَقَّـبُ

فَلاَ تَسْأَلُوا عَنِّي وَحَظِّـي فَإِنَّنَـا
لأَمْثَالِ أَهْلِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَضْرَبُ

طَوَى الدَّهْرُ مِنْ عُمْرِي ثَلاثِينَ حِجَّةً
طَوَيْتُ بِهَا الأَصْقَاعَ أَسْعَى وَأَدْأَبُ

أُغَرِّبُ خَلْفَ الرِّزْقِ وَهْوَ مُشَـرِّقٌ
وَأُقْسِمُ لَوْ شَرَّقْـتُ كَانَ يُغَـرِّبُ

وَأَنْفُـرُ مِنْ وَادٍ لِطَـوْدٍ كَأَنَّنِـي
وَقَدْ بَوَّقَ الدَاعُونَ لِلصَّيْدِ رَبْـرَبُ

لِئَنْ غَـرَّدَتْ لِلشَّاعِرِينَ بَلاَبِـلٌ
فَإِنَّ غُرَابَ الشُّـؤْمِ حَوْلِيَ يَنْعَـبُ

وَإِنْ كَانَ عِلْمَاً ثَابِتَاً قَوْلُ بَعْضِهِمْ
لِكُلِّ امْرِئٍ نَجْمٌ فَنَجْمِي الْمُذَنَّـبُ

وَمَرْكَبَـةٍ لِلنَقْلِ رَاحَتْ يَجُـرُّهَا
حِصَانَانِ : مُحْمَـرٌّ هَزِيلٌ وَأَشْهَبُ

لَهَا خَيْمَةٌ تَدْعُو إِلَى الْهُزْءِ شَدَّهَا
غَرَابِيـلُ أَدْعَى لِلْوَقَـارِ وَأَنْسَـبُ

جَلَسَـتْ إِلَى حُوذِيِّهَا وَوَرَاءَنَـا
صَنَادِيـقُ فِيهَا مَا يَسُـرُّ وَيُعْجِبُ

حَوَتْ سِلَعَاً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ يَبِيعُهَا
فَتَىً مَا أَسْتَحَلَّ البَيْعَ لَوْلا التَّغَـرُّبُ

وَرَاحَتْ كَأَنَّ البَرَّ بَحْـرٌ نِجَـادُهُ
وَأَغْوَارهُ أَمْوَاجـهُ ، وَهْيَ مَرْكَـبُ

تَبِينُ وَتَخْفَى فِي الرُّبَـى وَحِيَالهَا
فَيَحْسَبُهَا الرَاؤُونَ تَطْفُو وَتَرْسُـبُ

وَتَدْخُلُ قَلْبَ الغَابِ وَالصُّبْحُ مُسْفِرٌ
فَتَحْسَبُ أَنَّ اللَّيْلَ لِلَّيْـلِ مُعْقِـبُ

تَمُـرُّ عَلَى صُمِّ الصَّفَـا عَجَلاتُهَا
فَنَسْمَعُ قَلْبَ الصَّخْرِ يَشْكُو وَيَصْخَبُ

وَتَرْقُصُ فَوْقَ النَّاتِئَـاتِ مِنَ الحَصَى
فَنُوشِـكُ مِنْ تِلْكَ الخَلاَعَـةِ نُقْلَبُ

نَبِيتُ بِأَكْوَاخٍ خَلَتْ مِنْ أُنَاسِهَـا
وَقَامَ عَلَيْهَا البُومُ يَبْكِي وَيَنْـدُبُ

مُفَكَّكَـة جُدْرَانُـهَا وَسُقُوفُـهَا
يُطِلُّ عَلَيْنَا النَّجْـمُ مِنْهَا وَيَغْـرُبُ

عَلَيْهَا نُقُوشٌ لَمْ تُخَطَّطْ بِرِيشَـةٍ
تَظُنُّ صِبَاغَاً لَوْنَهَا وَهْوَ طُحْلُـبُ

يُغَنِّـي لَنَـا فِيهَا الْهَـوَاءُ كَأَنّـَهُ
يُنَوِّمُنَـا ، وَالْبَرْدُ لِلنَّـوْمِ مُذْهِـبُ

فَنُمْسِي وَفِي أَجْفَانِنَا الشَّوْقُ لِلْكَرَى
وَنُضْحِي وَجَمْرُ السُّهْدِ فِيهِنَّ يَلْهَبُ

وَمَأْكَلُنَـا مِمَّـا نَصِيـدُ وَطَالَمَا
طَوَيْنَا لأَنَّ الصَّيْـدَ عَنَّـا مُغَيَّـبُ

وَنَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُ الخَيْـلُ تَارَةً
وَطَوْرَاً تَعَافُ الخَيْلُ مَا نَحْنُ نَشْرَبُ

حَيَاةُ مَشَقَّـاتٍ وَلَكِنْ لِبُعْدِهَـا
عَنِ الذُّلِّ تَصْفُو لِلأَبِـيِّ وَتَعْـذُبُ

وَقَدْ نَلْتَقِي بَعْضَ الجَمِيلاَتِ صُدْفَةً
فَيُطْرِبْنَنَـا وَالْمُبْـدُع الغِيد مُطْرِبُ

وَكُلُّ مَكَانٍ فِيهِ لِلْحُسْنِ مَرْتَـعٌ
وَلِلطَّرْفِ مَلْهَـىً فِيهِ لِلْحُبِّ مَلْعَبُ

وَمَا تَلْتَقِـي عَيْنَا فَتَـاةِ حَيِيَّـةٍ
وَعَيْنَا فَتَىً إلاَّ لِكُوبِيـدَ مَـأْرَبُ

وَهَلْ أَنَا إِلاَّ شَاعِـرٌ لاَنَ قَلْبُـهُ
فَلَيْسَ لَـهُ مِنْ صَوْلَـةِ الحُبِّ مَهْرَبُ

نَفَتْنِي مِنَ الْمُدْنِ العَوَاصِمِ عِزَّتِـي
فَرُحْتُ بِأَطْرَافِ الوِلايَاتِ أَضْـرِبُ

أُعَاشِرُ مَنْ لَوْ عَاشَرَ القِرْدُ بَعْضَهَمْ
لَمَا رَدَّ عَنْ دَرْوِين قَبْـرٌ مُقَبَّـبُ

وَأُنْصِتُ مُضْطَّـرَاً إِلَى كُلِّ أَبْلَـهٍ
كَأَنِّي بِأَسْرَارِ البَلاهَـةِ مُعْجَـبُ

وَأَكْـرَهُ أَشْيَاءً رَفِيقِـي يُحِبُّهَـا
وَأَرْغَبُ فِي أَشْيَاءَ عَنْهُنَّ يَرْغَـبُ

وَأَرْهَـبُ قُطَّـاعَ الطَّرِيقِ وَرُبَّمَا
تَعَمَّدْتُ إِظْهَارَ السِّـلاَحِ لِيَرْهَبُـوا

فَعِزُّ الفَتَى الطَّاوِي الفَيَافِي مُسَدَّسٌ
كَمَا أَنَّ عِزَّ اللَيْثِ نَابٌ وَمِخْلَـبُ

وَمَا صِينَ حَـقٌّ لاَ سِلاَحَ لِرَبِّـهِ
وَأَضْعَفُ أَنْـوَاعِ السِّلاَحِ التَّـأَدُّبُ

وَلْولاَ نُيُوبُ الأُسْدِ كَانَتْ ذَلِيلَـةً
تُسَاطُ وَتَعْنُو لِلشَّكِيـمِ وَتُرْكَـبُ

وَكَمْ ظَالِمٍ يَسْتَعْبِـدُ النَّاسَ عُنْـوَةً
وَحُجَّتـُهُ الكُبْرَى الحُسَامُ الْمُشَطّبُ

أَقُولُ لِنَفْسِي كُلَّمَا عَضَّهَا الأَسَـى
فَآلَمَهَا :صَبْرَاً فَفِي الصَّبْرِ مَكْسَبُ

لِئَنْ كَانَ صَعْبَاً حَمْلُكِ الْهَمَّ وَالأَذَى
فَحَمْلُكِ مَنَّ النَّاسِ لاَ شَكَّ أَصْعَبُ

فَلَوْلاَ إِبَاءٌ مَازَجَ الطَّبْعَ لَمْ أَكُـنْ
لِمِثْلِي مَجِيءٌ فِي البَرَارِي وَمَذْهَبُ

وَلَوْلاَ رَجَائِي أَنْ تَظَلَّـي بَعِيـدَةً
عَنِ الضَّيْمِ لَمْ يُوطَـأْ بِرِجْلِيَ سَبْسَبُ

فَلاَ تَعْذِلِي صَحْبَاً دَرُوا بِي وَمَا عَنَوا
بِأَمْرِي فَهُمْ مِنِّي إِلَى الفَقْرِ أَقْـرَبُ

وَلاَ تَأْمَلِي مِنْ غَيْرِ صَحْبِي مَعُونَـةً
فَمَا تُخْضَبُ الكَفَّانِ وَالقَلْبُ مُجْدِبُ

وَلاَ تَرْتَجِي الإِخْلاَصَ مِنْ كُلِّ بَاسِمٍ
فَفِي البَاسِمِينَ الْمُبْغِضُ الْمُتَحَبِّـبُ

وَلَوْ كَانَ كُلُّ المُظْهِرِينَ لِيَ الوَفَـا
وَفِيِّيـنَ لَمْ يُعْجِزْكِ يَا نَفْسُ مَطْلَبُ

عَتِبْتُ عَلَى نَاسٍ أَضَاعُوا مَوَدَّتِـي
وَكُلُّ كَرِيمٍ خَانَهُ الصَّحْبُ يَعْتَـبُ

فَقَدْ زَعَمُوا أَنِّي هَجَـوْتُ حَبِيبَهُمْ
وَأَنِّي سَأَهْجُو غَيْرَهُ حِينَ أَخْطُـبُ

وَلَسْتُ بِهَجَّـاءٍ .. وَلَكِنّـَهُ الْهَوَى
إِذَا قَادَ نَفْسَ الْمَرْءِ فَالنُّورُ غَيْهَبُ

أَنَا مَنْ يَرَى أَنَّ الرِّيَـاءَ مَعَـرَّةٌ
وَأَنَّ خَبِيثَ القَوْلِ فِي الصِّدْقِ طَيِّبُ

وَمَا أَنَـا إِلاَّ كَالزَّمَـانِ وَأَهْلِـهِ
أَعَافُ وَأَسْتَحْلِي وَأَرْضَى وَأَغْضَبُ

فَأَيُّ هِجَاءٍ فِي مَقَالِي لِعَقْـرَبٍ
لَـهُ وَلَـعٌ بِالشَّرِّ إِنَّكَ عَقْـرَبُ

فَيَا نَفْسُ إِلاَّ أَنْتِ مَا لَكِ وَاعْلَمِي
بِأَنَّ كُلَّ بَرْقٍ غَيْر بَرْقِـكِ خُلَّـبُ

تَعِبْتِ إِذَا إسْتَنْظَرْتِ خَيْرَاً مِنَ الوَرَى
وَمُسْتَقْطِرُ السَّلْوَى مِنَ الصَّابِ يَتْعَبُ

الأمل ينام كالدب بين ضلوعنا منتظراً الربيع لينهض.. (إنديرا غاندي)