ديوان من مختاراتنا
اكتب قصيدة أو قصيدتان لشاعر ٍ ما أنت تحبه واختر لنا أجمل ما قال وما كتب ...
علنا نوفق معا في تكوين ديوان ما من مختاراتنا لشعراء نحبهم .
لذلك أتمنى أن تتفاعلوا معي في تكوين هذا الديوان الشعري في هذا القسم الجميل والأنيق .
ملاحظة للتذكير : لا تنسى اسم القصيدة واسم الشاعر وإذا أمكن تدوين تاريخ الكتابة .
الحركة الأولى
وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية
يكتظ حليب اللوز
ويقطر من نهديها في الليل
وأنا تحت النهدين إناء
في تلك الساعة حيث تكون الأشياء
بكاءً مطلق،
كنت على الناقة مغموراً بنجوم الليل الأبدية
أستقبل روح الصحراء
يا هذا البدوي الضالع بالهجرات
تزوّد قبل الربع الخالي
بقطرة ماء
كيف اندسَّ بهذا القفص المقفل في رائحة الليل!؟
كيف أندسَّ كزهرة لوزٍ
بكتاب أغانٍ صوفية!؟
كيف أندسَّ هناك،
على الغفلة مني
هذا العذب الوحشي الملتهب اللفات
هروباً ومخاوف
يكتبُ في
يمسح عينيه بقلبي
في فلتة حزن ليلية
يا حامل مشكاة الغيب!
بظلمة عينيك !
ترنَّم من لغة الأحزان،
فروحي عربية
يا طير البرِّ
أخذت حمائم روحي في الليل،
الى منبع هذا الكون،
وكان الخلق بفيض،
وكنت عليّ حزين
وغسلت فضائك في روحي أتعبها الطين
تعب الطين ،
سيرحل هذا الطين قريباً،
تعب الطين
عاشر أصناف الشارع في الليل
فهم في الليل سلاطين
نام بكل امرأة
خبأ فيها من حر النخل بساتين
يا طير البرق! أريد امرأة دفء
فأنا دفء
جسداً كفء فأنا كفء
تعرف مثل مفاتيح الجنة بين يديَّ وآثامي
وأرى فيك بقايا العمر وأوهامي
يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي!
يا حامل وحي الغسق الغامض في الشرق
على ظلمة أيامي
أحمل لبلادي
حين ينام الناس سلامي
للخط الكوفي يتم صلاة الصبح
بإفريز جوامعها
لشوارعها
للصبر
لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الفجر
أنبيك علياً
ما زلنا نتوضأ بالذل
ونمسح بالخرقة حد السيف
وما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
ما زالت عورة عمرو بن العاص معاصرةً
وتقبح وجه التاريخ
ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء ،
يؤلب باسم اللات
العصبيات القبلية
ما زالت شورى التجار، ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيم السوقية
لو جئت اليوم
لحاربك الداعون إليك
وسموك شيوعا
يا ملك البرق الطائر في أحزان الروح الأبدية
كيف اندس كزهرة رؤيا في شطة وجد صوفية
يمسح عينيه بقلبي في غفلة وجد ليلة
يكتب في يوقظ في
يا مشمش أيام الله بضحكة عينيك
ترنم من لغة القرآن فروحي عربية
هل تصل اللب
هناك النار طري
ويزيدك عمق الكشف غموضا
فالكشف طريق عدمي
وتشف بوحيك ساعات الليل الشتوي غموضا
هناك تلاقي النيران وتغضب الكلمات
وتصبح روحي قبل العشق بثانية فوضى
وأوسد فخذ امرأة عارية
بثيران من الشبق الأسود والسكر بعينيها الفاترتين
وجمرة ريا
تقطر نوما ورديا
تتهرب كالعطر وامسكها فتذوب بكفيا
وأدي بأنفي المتحفز بين النهدين يضحكان عليا
يا طير..أحب..واجهل
كيف..لماذا..من هي..لا اعرف شيئا
الحب بألا تعرف كيف يكون الشاعر بالحب
لقاء جميع الأنهار ومجنونا وخرافيا
ويهاجر في غابة ضوء من دمعته
ويموت لقاء أبديا
يشتعل الجسد الشمعي سنيا
وأرى تاريخ الشام مليا
وأكاد اقلب أوراق الكرسي الأموي
وتخنقني ريح مرة
تنفرط الكلمات واشعر بالخوف وبالحسرة
تختلط الريح بصوت صاحبي
يقرع باب معاوية ويبشر بالوردة
ويضيء الليل بسيف يوقد فيا لمهجة جمرة
ماذا يقدح في الغيب الأزلي اطلوا..
ماذا يقدح في الغيب..
أسيف علي
قتلتنا الردة يا مولاي
كما قتلتك بجرح في الغرة
هذا رأس الثورة يحمل في طبق في قصر يزيد
وهذي البقعة أكثر من يوم سباياك
فيا لله وللحكام ورأس الثورة
هل عرب انتم..
ويزيد عمان على الشرفة
يستعرض أعراض عراياكم ويوزعهن كلحم الضأن لجيش الردة
هل عرب انتم..
والله أنا في شك من بغداد إلى جدة
هل عرب انتم
واراكم تمتهنون الليل
على أرصفة الطرقات الموبوءة أيام الشدة
قتلتنا الردة..
قتلتنا الردة..
قتلتنا الردة..
قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده
من أين سندري ان صحابيا
سيقود الفتنة في الليل بإحدى زوجات محمد
من أين سندري ان الردة تخلع ثوب الأفعى
صيفا تلوث وجه العنف
وضج التاريخ دعاوى فارغة
وتجذ من لياليه
يا ملك الثوار..
أنا ابكي بالقلب لان الثورة يزني فيها
والقلب تموت أمانيه
يا ملك الثوار..
تعال بسيفك ان طواويس يزيد تبالغ في التيه
يا ملك الثوار..
أنا في حل فالبرق تشعب في رئتي وأدمنت النفرة
والقلب تعذر من فرط مراميه
والقلب حمامة بر لألأتها الطل
تشدو والشدو له ظل
والظل يمد المنقار لشمس الصحراء
لغة ليس يحل طلاسمها غير الضالع بالأضواء
والظل لغات خرساء
وأنا في هذي الساحة بوح أخرس
فوق مساحات خرساء
أتمنى عشقا خالص لله
وطيب فم خالص للتقبيل
وسيفا خالص للثورة
في تلك الساعة من شهوات الليل
وعصافير الشوك تفلي الأنثى بحنين
صنعتني أمي من عسل الليل بأزهار التين
تركتني فوق تراب البستان الدافئ
يحرسني حجر اخضر
وحملت هناك بسكين
وتحرك في شفتي سحاق السكر
أين تركت نادماك حبيبي
عبروا جسر السكر وماتوا الواحد بعد الآخر
وبقيت أحدق في الخمرة وحدي
وغمست يدي وبصمت على القلب سأسكر
أسكر..
أسكر..أسكر..أسكر
فالعلم مملوء بالليل
فكيف تعاتبني كيف أتوب
هل تاب النورس من ثقل جناحيه المكسورين
وهل تاب الطيب الفاغر في رفغ امرأة خائفة فأتوب
هل تاب الخالق من خمر الخلق
ومسح كفيه الخالقتين لكل الازوار الحلوة في الارض
فتلك ذنوب
تعال لبستان السراريك الرب على اضفر برعم ورد
يتضوع من قدميه الطيب
قدماه ملوثتان بشوق ركوب الخيل
تاء التأنيث خفيه تذوب
ما دام هناك ليل ذئب فالخمرة مأواي
وهذا الجسد الشبقي غريب
صنعتني ليلة حب امي اقطر في الليل
واسأل ثلج الإنسان متى سيذوب
تركتني فوق تراب البستان الدافىء
يجمعني الفقراء ومر غريب
يعرف قدر الزهر فأفراد حجرته لروحي
وتساقطت له ذلك مكتوب
فبكيت..وجف الدمع زبيبا
يا طير البرق لقد اوشك ماء العمر يجف قريبا
وفتحت معابد روحي المهجورة
اذ كنت سمعتك تخفق في الليل غريبا
ايقظت الاقواس وكل حروف الزهد تناديك حبيبا
وامنتك ان الشجن الليلي توضأ في لهيبها
ووضعت امام سنى عينيك توسل كفي
وما ابقته الأيام لدي
وانت بآفاق الروح شروقا ومغيبا
واخذتك للخلوة ناديتك:
يا ثقتي اسرفت عليهم بالخمر
واغفيت وخمري تتدفق بين اصابعهم
فلماذا انزل نعش الحزن ليدفن في عافيتي ؟
يا طير البرق
رأيتك وهما في افق الماضي رافق قافلتي
وتساقط في العتم الكلي سنى حرفيك على رئتي
ورأيتك صحوا يتذرذر من نهدين صبييين
كان الشبق الناري يعذبني
مذ كنت حليبا دافىء في النهدين
وكانت تبكي من لذتها شفتي
يا للوحشة أنصت فستبكي لغتي
ما كدت رأيتك لا تكتب في الليل هروبك من نافذتي
لا تكتب لغة العالم في
نغرق باللغة الضائعة اليومية
كل الفوانيس الله مبللة
ونجومك تلثغ بالنوم على ابواب الابدية
وانا لرقب ان تأتي
في غسق جن من الفيروز بزهرة دفلى
مكن وطني كسلام الناس رمادية
ارقب ان تنفر فوق الباب المهمل مرتبك النظرات
وتوقظ بادية العشق الزاهد في عيني
يا طير هنالك في اقصى قلبي دفنوا رابعة العدوية
وبكيت وشب الدمع لهيبها
وكشفت مقابر عمري في غسق
لتراني شوكي الشفتين غريبا
لهبي العينين كأن سماء الله تعج ذنوبا
ما كنت أنام بغير دمى عارية في المهد
كم كان اله الشهوات يقبل جسر سريري
ومددت يدي تمسك ضحكته
ما وصلت كفاي اليه وفر لعوبا
وامتلأ العمر الفارغ احلاما برؤاك
وامس اتيت تأخرت
فو أسفاه تأخرت
وصار رحيل القرصان إلى بحر الظلمات قريبا
يا طير البرق تأخرت
فاني اوشك ان اغلق باب العمر ورائي
اوشك ان اخلع من وسخ الايام حذائي
يا للوحشة اسمع
فوراء محيطات الرعب المسكونة بالغيلان
هناك قلعة صمت
في القلعة بئر موحشة كقبور ركبن على بعض
آخر قبر يفضي بالسر إلى سجن
السجن به قفص تلتف عليه أغاريد ميته
ويضم بقية عصفور مات قبيل ثلاث قرون
تلكم روحي
منذ قرون دفنت روحي
منذ قرون دفنت روحي
منذ قرون كان بكائي
ابحث عن ثدي يرضعني فأنا خاو
اريد حليب امرأة بإنائي
في تلك الساعة من ساعات الليل يجوع انائي
والكلمات يصلن لجد الافراز
في العاشر من نيسان بكيت على الابواب الاهواز
فخذاي تشقق لحمها من امواس مياه الليل
اخذت حشائش برية تكتظ برائحة الشهوة
اغلقت بهن جروحي
لكن الناموس تجمع في خيط الفردوس المشود
كنذر في رجلي
ناديت : اله البر سيكتشفوني
وسأقتل في العاشر من نيسان
نسيت على ابواب الاهواز عيوني
وتجمع كل ذباب الطرقات على فمي الطفل
ورأيت صبايا فارس يغسلن النهد بماء الصبح
وينتفض النهد كرأس القط من الغسل
اموت بنهد يحكم اكثر من كسرى في الليل
اموت بهن
تطلعن بخوف الطير الآمن في الماء إلى قسوة ظلي
من هذا المتسبل في الليل بكل زهور النخل
تتأجج فيه الشهوة من رؤيا النخل الحالم في الليل
شبقا في لحم المرأة كالسيف العذب الفحل
من هذا الماسك كل زمام الانهار
يسيل على الغربات كعري الصبح
يراوغ كل الطرقات المألوفة في جنات الملح
يواجه ذئبية هذا العالم لا يحمل سكينا
يا ابواب بساتين الاهواز اموت حنينا
غادرت الفردوس المحتمل
كنهر يهرب من وسخ البالوعات حزينا
احمل من وسخ الدنيا
ان النهر يظل لمجراه امينا
ان النهر يظل يظل يظل امينا
ان النهر يظل امينا
فأين امراة توقد كل قناديلي
فالليلة تغتصب الروح حزينا
هذا طينك يا الله يموت به العمر
ويشتعل الكبريت جنونا
هذا طينك قد كثرت فيه البصمات
وافسق فيه الوعي سنينا
هذا طينك..طينك..طينك
تتقاذفه الطرقات بليل المنفي والامطار
دلتني الاشعار عليك
فكيف ادل عليك بجمرة اشعاري
جعلتني الدمعات كمنديل العرس طريا
لا اجرح خدا
خذني وامسح فانوسك في الليل
نشع بكل الاسرار
لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالجوع ابو الكفار
مولاي انا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الاخر يسجد من ثقل الازوار
واعيذك ان تغضب مني
انت المطوي عليك جناحي في الاسحار
اله نجوم البحر
لقد ابحرت اليك كآخر طير في البر
وكادوا يقتنصوني
اله البحر سيكتشفوني
اله البحر الست تشم مساحات سكاكين الدم
سيكتشفوني
سباخك
يا رب الليل يشد على قدمي المتورمتين
واقدامي تهرب في قلب عدوي صارخة
وسيكتشفوني
انقذ مطلقك الكامن في الانسان
فان مدى المتبقين من العصر الحجري تطاردني
انقذني من وطني
اذ ذاك التفت على جسدي الواهن روح المطلق
متشحا بالقسوة والنرجس والزمن
حملتني ريح الغيب إلى درب
تترقرق فيه بواكير الصبح
وأول عصفور زقزوق في الافق الازرق ملتهبا
امن..امن..امن
ايقظخبزي
ايقظ في القرية رائحة الخبز
فغافلني تعبي والشبق المتأصل في وجوعي للانسان
فذقوا بابا مؤصدة
ناداني صوت ما زال كخيمة عرس عزبي
والصوت كذالك انثى
والغربة حين احتضنتني انثى
والدكة انثى
من ذاك ..
اجبت كنار مطفأة في السهل انا يا وطني
من هرب هذي القرية من وطني
من ركب اقنعة لوجوه الناس والسنة ايرانية
من هرب ذاك النهر المتجوسق بالنخل على الاهواز
اجيبوا.. فالنخلة ارض عربية
جمدانيون بويهيون سلاجقة ومماليك اجيبوا
فالنخلة ارض عربية
يا غرباء الناس بلادي كصناديق الشاي مهربة
ابكيك بلادي ...ابكيك بحجر الغرباء
الام ستبقى يا وطني ناقلة للنفط
مدهنة بسخام الاحزان واعلام الدول الكبرى
ونموت مذلة
الام أتا وطن في العزلة
يا غرباء الناس أغص لأن الدمع يجرح أجفاني
في الحلم يطينني الدمع
وتأتي الأفراح كسلسلة من ذهب من كنزك
يا ملك الأنهار بقلب بلادي
ابكيك بلاد الذبح كحانوت تعرض فيه ثياب الموت
امتد إليك كجسر من خشب الليل
وسيعبر تاريخ الغربة
كل جسور الليل تسوسن سوي جسري
احتك بكل الجدران
كأت الغربة يا قاتلتي جرب في جلدي
أتشهّى كل القطط الوسخة في الغربة
لكل نساء الغربة أسماك
تحمل رائحة الثلج
وأتعبني جسدي
يا أيّ إمرأة في الليل!
تداس كسلة تمر بالأقدام تعالي!
فلكل إمرأة جسدي
وتد عربي للثورة, يا أنثى جسدي
كل الصديقين وكل زناة التاريخ العربي
هنا أرث في جسدي
أضحك ممن يغريني بالسرج
وهل يسرج في الصبح حصان وحشيّ
ورث الجبهة من معركة " اليرموك"
وعيناه "الحيرة"
والأنهار تحارب في جسدي!؟
قد أعشق ألف إمرأة في ذات اللحظة ,
لكني أعشق وجه إمرأة واحدة
في تلك اللحظة
إمرأة تحمل خبزا ودموع في بلدي
اعبر اسواق اللحم فأبكي
يا بلدي يا سوق اللحم لكل الدول الكبرى بلدي
يا بلد يتناهشها الفرس
ويجلس فوق تنفسها الوالي العثماني
وغلمان الروم
وتحتلم (الجيتات) الصهيونية بالعقد التوراتية فيها
بلد يخرج حتى ملك الأحباش الجائف عورته في جهلك
يا بلدي!
يا بلدي ورماح بني مازن قادرة أن تفتك فيك
والكل إذا ركب الكرسي يكشر في الناس كعنتره
فتعالي..
تعالي نبكي الأموات ونبكي الأحياء
فانت حزينة والحزن ثقيل في الليل
في تلك الساعة من شهوات الليل
وقرى الأهوز المسروقة من وطني
يتسلل نحو مخادعها
ملك الريح المكتوب بأقصى الصحراء
والزغب النسوي
هناك يته كرأس الهدهد في البرية
يكتظ عليه الدفء كجمرة ليل
وأنا فوق مقلوب كإناء
في تلك الساعة
حيث تكون الأشياء هي الشبق المطلق
كنت على الناقة مذهولا بنجوم الليل الأبدية
استقبل روح الصحراء
يا هذا البدوي المعن بالهجرات
تزود للقاء الربع الخالي بقطرة ماء
**************
**************
**************
مظفّر النواب.....
وهذه قصيدة جميلة للشاعر محمـــد المـاغـــوط
قبركَ البطيءُ كالسلحفاة
(الى بدر شاكر السياب)
يازميل الحرمان والتسكع
حزني طويلٌ كشجر الحور
لأنني لست ممدداً الى جوارك
ولكنني قد أحلُّ ضيفاً عليك
في أية لحظه
موشحاً بكفني الأبيض كالنساء
المغربيات
لاتضعْ سراجاً على قبرك
سأهتدي إليه
كما يهتدي السكِّير الى زجاجته
والرضيعُ الى ثديه
«فعندما ترفعُ قبضتك في الليل
وتقرعُ هذا الباب أو ذاك
وأنت تحملُ دفتراً عتيقاً
نزعَ غلافهُ كجناح الطائر
وأنت تسترجعُ في ذاكرتك المتعبه
هذه الجملةَ أو تلك
لتقصها على أحبابك حول
المصطلى
ثم يسمعُ صوتاً يصرخ من أعماق
الليل :
لاأحدَ في البيت
لاأحد في الطريق
لا أحدَ في العالم
ثم تلوي عنقك وتمضي
بين وحولٍ آسنه
وأبواب أغلقت بقوة حتى تساقطَ الكلس عن جدرانها
وأنت واثقٌ أن المستقبل
يغص بآلاف الليالي الموحشه
والأصوات التي تصرخ
لاأحدَ في البيت
لا أحد في الطريق
لاأحد في العالم
هل تضعُ ملاءةً سوداء
على شاراتِ المرور وتناديها ياأمي
هل ترسم على عُلبِ التبغِ الفارغه
أشجاراً وأنهاراً وأطفالاً سعداء
وتناديها ياوطني
ولكنْ أيَّ وطنٍ هذا الذي
يجرفه الكناسون مع القمامات في آخر الليل؟
تشبثْ بموتك أيها المغفل
دافعْ عنه بالحجارةِ والأسنان
والمخالب
فما الذي تريد أن تراه؟
كتبك تباع على الأرصفه
وعكازكَ أصبح بيد الوطن
أيها التعسُ في حياته وفي موته
قبركَ البطيءُ كالسلحفاة
لن يبلغَ الجنّة أبداً
الجنةُ للعدَّائين وراكبي الدراجات
-------
وقصيدة للشاعر محمود درويش
' منفى '
ضباب كثيف على الجسر
قال لي صاحبي ، والضبابج كثيف
علي الجسر:
هل يعْرَف الشيء من ضدٌِهِ؟
قلت: في الفجر يتَّضح الأمر
قال: وليس هنالك وقت أَشدٌ
التباسا من الفجر،
فاترك خيالك للنهر/
في زرقة الفجر يعْدَم في
باحة السجن، أو قرب حرش الصنوبر
شابٌ تفاءل بالنصر/
في زرقة الفجر ترسم رائحة الخبز
خارطة للحياة ربيعيَّةَ الصيف/
في زرقة الفجر يستيقظ الحالمون
خفافا ويمشون في ماء أَحلامهم
مرحين
إلي أَين يأخذنا الفجر، والفجر
جِسْر، إلي أَين يأخذنا؟
قال لي صاحبي: لا أريد مكانا
لأدفَنَ فيه. أريد مكانا لأَحيا،
وأَلعنَه إن أردت.
فقلت له والمكان يمرّ كإيماءة
بيننا: ما المكان؟
فقال: عثور الحواسٌِ علي موطيء
للبديهة،
ثم تنهد:
يا شارعا ضيقا كان يحملني
في المساء الفسيح إلي بيتها
في ضواحي السكينةْ
أَما زلت تحفظ قلبيَ
عن ظهر قلب،
وتنسي دخان المدينة؟
قلت له: لا تراهن علي الواقعيٌ
فلن تجد الشيء حيا كصورته في
انتظارك....
إنَّ الزمان يدجٌِن حتي الجبال
فتصبح أَعلي، وتصبح أوطأ مما عرفت.
إلي أَين يأخذنا الجسر؟
قال: وهل كان هذا الطريق
طويلا إلي الجسرِ؟
قلت: وهل كان هذا الضباب
كثيفا علي دَرَج الفجرِ؟
كم سنة كجنْتَ تشبهني؟
قال: كم سَنَة كنْتَ أَنتَ أَنا؟
قلت: لا أَتذكَّر
قال: ولا أتذكر أني تذكرت
غير الطريق
وغنَّي:
غعلي الجسر، في بلد آخري
يعلن الساكسفونج انتهاءَ الشتاء
علي الجسر يعترف الغرباء
بأخطائهم، عندما لايشاركهم
أَحَدجج في الغناءف
وقلت له: منذ كم سنة نَسْتَحثّ
الحمامة: طيري إلي سدرة المنتهي،
تحت شباكنا، ياحمامة طيري طيري
فقال: كأني نسيت شعوري
وقال: وعما قليل نقلٌِد أَصواتنا
حين كنا صغيرين. نلثغ بالسين واللام.
نغفو كزوجي يمام علي كرمة ترتدي
البيت. عما قليل تطلٌ علينا الحياة
بديهيَّة. فالجبال علي حالها، خلف
صورتها في مخيلتي. والسماء القديمة
صافية اللون والذهن، إن لم
يَخنٌي الخيال، تظلّ علي حالها
مثل صورتها في مخيٌلتي، والهواء
الشهيّ النقيٌ البهيٌ يظل علي
حاله في انتظاري.. يظلّ علي حاله.
قلت: ياصاحبي، أَفرَغتني الطريق
الطويلة من جسدي. لا أحس بصلصاله.
لا أحسّ بأحواله. كلما سرت طرت.
خطايَ رؤاي. وأَما 'أنا' ي، فقد
لَوَّحَتْ من بعيد:
'إذا كان دربكَ هذا
طويلا
فلي عَمَلّ في الأساطير'
أَيدي إلهيَّة دَرَّبتنا علي حفر أسمائنا
في فهارس صفصافة. لم نكنِ واضحين
ولاغامضين. ولكنَّ أسلوبنا في
عبور الشوارع من زمنِ نحو آخرَ
كان يثير التساؤل: مَنْ هؤلاءِ
الذين إذا شاهدوا نخلة وقفوا
صامتين، وخرٌوا علي ظلٌها ساجدين؟
ومن هؤلاء الذين إذا ضحكوا أزعجوا
الآخرين؟
علي الجسر، في بلد آخر، قال لي
يعْرَف الغرباء من النَّظَر المتقطٌِع في الماء،
أو يعْرَفون من الانطواء وتأتأة المشي.
فابن البلاد يسير إلي هدفي واضحِ
مستقيمَ الخطي. والغريب يدور علي
نفسه حائرا
قال لي: كلّ جسر لقاء... علي
الجسر أدخل في خارجي، وأسلم
قلبي إلي نَحْلَة أو سنونوَّة
قلت: ليس تماما. علي الجسر أمشي
إلي داخلي، وأروٌِض نفسي علي
الانتباه إلي أمرها. كلّ جسر فصام،
فلا أنت أنت كما كنت قبل قليل،
ولا الكائنات هي الذكريات
أنا اثنان في واحد
أم أنا
واحد يتشظي إلي اثنين
ياجسْر يا جسر
أيٌ الشَّتِيتَيْنِ منا أَنا؟
مشينا علي الجسر عشرين عاما
مشينا علي الجسر عشرين مترا
ذهابا إيابا،
وقلت: ولم يبقَ إلا القليل
وقال: ولم يبقَ إلا القليل
وقلنا معا، وعلي حدة، حالمين:
سأمشي خفيفا، خطَايَ علي الريحِ
قوس تدغدغ أرضَ الكمان
سأسمع نبض دمي في الحصي
وعروق المكان
سأسند رأسي إلي جذع خَرّوبة،
هي أمٌي، ولو أنْكَرَتْني
سأغفو قليلا، ويحملني طائران صغيران
أعلي وأعلي... إلي نجمة شرٌدَتْني
سأوقظ روحي علي وَجَعي سابق
قادم، كالرسالة، من شرفة الذاكرةْ
سأهتف: مازلت حيٌا، لأنيَ
أَشعر بالسهم يخترق الخاصرةْ
سأنظر نحو اليمين، إلي جهة الياسمين
هناك تعلَّمْت أولى أغاني الجسدْ
سأنظر نحو اليسار، إلي جهة البحر
حيث تعلَّمت صَيْدَ الزَّبَدْ
سأكذب مثل المراهق: هذا الحليب
علي بنطلوني ثمَاَلة حلْمِ تحرَّش بي... وانتهي
سأنكر أني أقلٌِد قيلولة الشاعر
الجاهليٌِ الطويلةَ بين عيون المها
سأشرب من حَنَفيَّة ماء الحديقة حفنةَ
ماء. وأَعطش كالماء شوقا إلي نفسِهِ
سأسأل أوٌل عابر درب: أَشاهدتَ
شخصا علي هيئة الطيف، مثلي، يفتٌِش
عن أَمسِه؟
سأحمل بيتي علي كتفيَّ... وأَمشي
كما تفعل السلحفاة البطيئةْ
سأصطاد نسرا بمكنسة، ثم أسأل:
أَين الخطيئة؟
سأبحث في الميثولوجيا وفي الأركيولوجيا
وفي كل جيم عن اسمي القديم
ستنحاز إحدي إِلهات كَنْعَانَ لي، ثمَّ
تحلف بالبرق: هذا هو ابني اليتيم
سأثني علي امرأة أنجبتْ طفلة
في الأنابيب. لكنها لاتمتّ إليها بأيٌِ شَبَهْ
سأبكي علي رجل مات حين انتَبهْ
سأخذ سطر المَعَرٌيٌِ ثم أعدٌِله:
جَسَدي خرقَة من تراب ، فيا خائطَ
الكون خِطْني!
سأكتب: يا خالقَ الموت ، دعني
قليلا... وشأني!
سأوقظ موتايَ: نحن سواسية أيها
النائمون، أما زلتم مثلنا تحلمون
بيوم القيامةْ؟
سأجمع ما بعثرته الرياح من الغَزَل
القرْطبيٌِ، وأكمل طَوْقَ الحمامةْ
سأختار من ذكرياتي الحميماتِ
وَصْفَ الملائم: رائحة الشرشف المتجعٌد
بعد الجِماع كرائحة العشب بعد المطرْ
سأشهد كيف سيخضرّ وجه الحجرْ
سيلسعني وَرْد آذارَ، حيث ولدت
لأوٌل مَرٌةْ
ستحمل بي زهرةج الجلَّنار، وأولَد منها
لآخر مَرَّةْ!
سأَنأي عن الأمس، حين أعيد
له إرثه: الذاكرةْ
سأدنو من الغد حين أطارد قبَّرة
ماكرةْ
سأعلم أَني تأخَّرْت عن موعدي
وسأعرف أنَّ غدي
مَرَّ، مَرَّ السحابةِ ، منذ قليل،
ولم ينتظرني
سأعلم أن السماء ستمطر بعد قليل
عليَّ
وأنٌي
أَسير علي الجسر
هل نطأ الآن أرض الحكاية؟ قد
لاتكون كما نتخيَّل 'لا هي سَمْن
ولا عَسَل' والسماء رمادَّية اللون.
والفجر مازال أزرقَ ملتبسا. ما
هو الزمن الآن؟ جسر يطول
ويقصر.. فجر يطول ويمكر. ما
الزمن الآن؟
تغفو البلاد القديمة خلف قلاع
سياحيٌة. والزمان يهاجر في نجمة
أَحرقت فارسا عاطفيا. فيا أيها
النائمون علي إبر الذكريات! أَلا
تشعرون بصوت الزلازل في حافر الظبي؟
قلت له: هل أَصابتك حمَّي؟
فتابع كابوسه: أَيها النائمون! ألا
تسمعون هسيس القيامة في حبة
الرمل؟
قلت له: هل تكلمني؟ أم تكلٌِم
نفسك؟
قال: وصلت إلي آخر الحلم...
شاهدت نفسي عجوزا هناك،
وشاهدت قلبي يطارد كلبي هناك
وينبح... شاهدت غرفةَ نومي
تقَهْقِه : هل أَنتَ حيٌ؟ تعال
لأحمل عنك الهواء وعكازك الخشبيَّ
المرصَّع بالصدف المغربيٌِ!! فكيف
أعيد البداية، ياصاحبي ، من أَنا؟
من أنا دون حلْم ورفقة أنثي؟
فقلت: نزور فتات الحياة ، الحياة
كما هي ، ولنتدرَّبْ علي حبٌ أشياء
كانت لنا ، وعلي حبٌ أشياء ليست
لنا... ولنا إن نظرنا إليها معا من
علٍ كسقوط الثلوج علي جَبَلٍ
قد تكون الجبال علي حالها
والحقول علي حالها
والحياة بديهية ومشاعا،
فهل ندخل الآن أرض الحكاية يا
صاحبي؟
قال لي: لا أريد مكانا لأدفن فيه
أريد مكانا لأحيا، وألعنه لو أردت...
وحملق في الجسر: هذا هو الباب.
باب الحقيقة لانستطيع الدخول ولا
نستطيع الخروج
ولايعْرَف الشيء من شدٌِهِ
أَلممراتجمغْلَقَة
والسماء رماديَّة الوجه ضدٌَهِ
ويدج الفجر ترفع سروال جنديٌةِ
عاليا عاليا...
وبقينا علي الجسر عشرين عاما
أكلنا الطعام المعلٌب عشرين عاما
لبسنا ثياب الفصول،
استمعنا إلي الأغنيات الجديدة،
جَيٌِدةِ الصنع،
من ثكنات الجنود
تزوَّج أولادنا بأميرات منفي
وغيَّرن أسماءهم،
وتركنا مصائرنا لهواة الخسائر
في السينما.
وقرأنا علي الرمل آثارنا
لم نكن غامضين ولا واضحين
كصورة فجر كثيرِ التثاؤبِ
قلت: أمازال يجرحك الجرح، يا
صاحبي؟
قال لي: لا أحسّ بشيء
فقد حوَّلت فكرتي جسدي دفترا للبراهين،
لا شيء يثبت أَني أنا
غَيْر موتٍ صريحٍ علي الجسر،
أَرنو إلي وردة في البعيد
فيشتعل الجمر
أرنو إلي مسقط الرأس ، خلف البعيد
فيتسع القبر
قلت: تمهل ولاتَمتِ الآن. إنَّ الحياةَ
علي الجسر ممكنة. والمجاز فسيح المدي
هاهنا بَرْزَخ بين دنيا وآخرةِ
بين منفي وأرضي مجاورة...
قال لي، والصقور تحلق من فوقنا:
خذِ اسمي رفيقا وحدٌِثٌه عني
وعش أنت حتي يعود بك الجسر
حيٌا غدا
لاتقل: إنه مات ، أو عاش
قرب الحياة سدي!
قل: أطلَّ علي نفسه من علٍ
ورأي نفسه ترتديِ شجرا، واكتفي
بالتحيَّة:
إن كان هذا الطريق طويلا
فلي عَمَل في الأساطير
كنت وحيدا علي الجسر، في ذلك
اليوم، بعد اعتكاف المسيح علي
جبل في ضواحي أريحا.. وقبل القيامة.
أمشي ولا أستطيع الدخول ولا أستطيع
الخروج... أدور كزهرة عبَّاد شمسِ.
وفي الليل يوقظني صوت حارسة الليل
حين تغنٌي لصاحبها:
لاتَعِدْني بشيء
ولاتهدِني
وردة من أريحا!
وهذه قصيدة للشاعر المعروف انسي الحاج
(في أحد الأيام سيرجع الكون جميلاً )
ما تظّنينه جنوني هو جنوني
ما تظّنينه سكوتي هو نَهَمي
ما تظنّينه صفائي هو ظلّك على جبيني
ما تظّنينه حرّيتي هي تلك الحَفْنة من القش
لعلّك تُشعلينها ذات يوم,
ففي بلادنا أنا وأنتِ
العاشق لا يُهدي حبيبته أقلَّ من حياته
ما كانت شَبّابتي لو لم تكوني الصوت
ما كان وجهي لو لم تنظري من عينيّ
رقَدَ الصراخُ بين البَنَفْسج
شَعْري ناعم من السعادة
يا جَمالها أعطني يديك
يا سرابها أعطني يديك
ولدتُ لأنكِ النبتة الصبيّة في الأرض العجوز
ولدتُ لأنكِ ماء الصخور المُغلَقَة
في أحد الأيام سيرجع الكون جميلاً
بوجوه ناسه وعيونهم
بصدأ صحاراه الذَهَبيّ
وظلام غاباته النائم على ذكرياتنا.
في أحد الأيام سيرجع الكون جميلاً
بعد أن يرى تماماً أنَّ القسوة هي الموت
وهذه قصيدة للشاعر الكردي المعروف ملاي جزري
ترجمة : عبد الرحمن عفيف
1-
شَهيدُكِ و المُبْتلىْ بِكِ
صَباحُ الخيْرِ مَلكتي
شاهتي سُكّرة الّلسانِ
أنتِ روحي
ونَفْسي
فلتَكنْ لَكِ قرباناَ
تَعالىَ اللهُ
أيُّ ذَاتٍ أَنتِ
وكمْ سكّرية الصِّفاتِ
لا كمثلِ القَندِ والسكّرِ النّباتِ
أنتِ
بل يقيْناَ الرّوحُ والحياةُ
حياة َ وراحة َ روحِي
صَباحُ الخيْرِ
تَعالي
بؤبؤَ العيونِ
أرى القَامةَ والقَدَّ
صَباحُ الخَيرِ مَخمورتي
لَطيفتي بالكأسِ في اليّدِ
مَخمورتي و مبتهلةَ الخَمرِ
أنْتِ مقصودي وقَصْديْ
مِنَ المَقاصِدِ أنتِ لي كِفايةٌ
وإنْ أخذوني إلى فلَكِ الأطلسِ
ذاتَ الحَواجبِ المقوّسةِ السّودِ
إنّيْ فِي أَسرِ الأصداغِ المثنيّةِ
صَباحُ الخيْرِ مَلكتي
تَعالي إنسانَ العيونِ
أرى القَدَّ والقامَةَ
في ذلِكَ الصدغِ في ذلكَ القيدِ
الرّهيبِ المُحكمِ
حالِكةَ العيونِ بيضاءَ السّاعدِ
أحرقتنِي شَبهَ الشّمعةِ
مثل الشّمعةِ أنا
بسببٍ من حُبّكِ أخرسٌ
ضعيفٌ مثل الهِلالِ
أئنُّ كَطيرٍ جبليٍّ
معَ البلبلِ في نواحٍ
صَباحُ الخَيرِ ملكتيْ
تَعالي إنسانَ العيونِ
أرى القَدّ والقَامةَ
مَعَ البلبلِ ليلاً و نَهاراً
فَوقَ ذلكَ الغُصنِ والُبرعُمِ
قمريّةَ الجبْهةِ شَمسَ الشّفقِ
أحرقتِني كجهنّم
إنّي ناءٍ مِنْ تِلكَ الحوريّةِ
مّرةً فحسبُ مِنْ فوقِ السّورِ
مِنَ طورِ سيناءَ مِنَ الوادي الأيمنِ
تجلّتْ وسطَ النّورِ
مِنْها أنا مُلتظُّ القَلبِ والرّوحِ
صَباحُ الخَيْرِ ملكتي
حُسنُ ذلكَ التجلّي
اليدُ البيْضاءُ والقدّ العالي
أية أوصافٍ آتي بها
لا تُضاهيها
...!!
لكنَّ القلبَ
ضربتْهُ الجذْبةُ
غيرُ مستَفيقٍ أنا مِنْ ذلكَ البَرقِ
مِنَ صَاحبَةِ التّاجِ الأصفرِ
انتشرَ أبيضُ الفجرِ حتّى الشّرقِ
لكنّي تائهٌ، لا أميّزُ
آنٌّ مِنْ ضَربِ العشقِ
صَباحُ الخَيْرِ شاهتي
تَعالي، إنسانَ عيني
أرى القَامةَ والقَدَّ
أنتِ الظّريفة الغضّة
حوريّةَ الأوصافِ
جنيّةَ الهيئةِ
أنتِ مساوية طِراز الشّمسِ
ذاتُ الحاجبينِ الأسودين كالأقواسِ الينكِيّةِ
سحَبتْ لكِنْ ليْسَ كما أيِّ مرّةٍ
سِهامها الأكثرَ جِدّة ً
كالسّيوفِ والمشارطِ
رشّتْ بِها صدري كالمطرِ
مِنْ ذلكَ الضّربِ أنا جِدُّ متوجّعٍ
صَباحُ الخَيرِ ملكتي
تعالي، إنسانةَ العيونِ
أرى القامةَ والقَدَّ
اكشفي مرّةً عن خَطَِ العذارِ و شَاماتِ الخدِّ
على تلكَ المَساندِ و الأسرّةِ
واطلبينا نحن العبيد
نشهد الأعيادَ و النيروز
امنحينا الإجازةَ و السّماحَ
جنيّةَ الهيئةِ حوريّةَ الصّفةِ
مِن قلبِ الظُلمةِ والنّورِ
نشرب الخَمرةَ مِن الكأس الفَرفوريّةِ
في الحقِّ إنّي مسلوبٌ من قِبلِ الشّاماتِ
صباحُ الخَيرِ ملكتيْ
تعاليْ
بؤبؤةَ العيونِ
أُشاهِد القدَّ والقّامةَ
مِنْ تلكَ الكأسِ الشّاهيّةِ بالقرقفِ
بالنبيذِ النوريِّ المُشرّفِ
إشارةٌ مِنْ الحبيبةِ انغمستْ فيها
تأتي إليّ خِفيةً كلَّ سَحَرٍ
منِ ذلكِ القَدحِ أشربُ
سَحراً
لذا ما أنا صاحٍ
أخفي القَدحَ من العوامِّ
إليهِ أجتهدُ من كلِّ روحي
لذا
في الغالبِ أنا مخمورٌ وسكرانْ
صَباحُ الخيرِ ملكتي
تعالي
بؤبؤَ المُقَلِ
أُشاهِدَ القدَّ والقامةَ
تعالي قبالة المُلاّ
الذي هو لكِ
شهيدِكِ و المُبتلى بِكِ
أشفقي عليهِ بِلقاءٍ
لئلاّ يموتَ بدائهِ
أنتِ المسيح لمرضى الهوى
لملسوعي حيّاتِ الضّفائرِ
شُهداءِ السّيوفِ و المَشارطِ
جرحى الأقواسِ الجديدةِ
في مُشاهدتِكِ أنا حائرٌ
ولها في اشتياقْ
صباحُ الخيرِ ملكتي
تعالي
إنسانةَ العيونِ
أُشاهِدَ القدّّ والقامَةَ
لوّنْ أيّها الدمُ
قولوا: أوحِي إليهم
أختام شعوب وألسنة
حقولُ منتجين ومستهلكين
يسيّسون حتى الهواء
هاتوا الأعلام، اربطوا رؤوسكم بأقدامكم
هنا على حدودِ.. يحْرسها خفر لا مِن الجبالِ
لا من السواحلِ، بل من الغيب
أو قولوا: أوحيَ إلينا
لم تعد جدتي إلا سكيناً
لم يعد جدي إلا ذِبْحاً
ما القبر الذي سيأخذك السفر إليه، أيها المترحّل؟
أرْهقْت الطرق بحوافرِ بغْلتك. أنْزل أثقالك عنها، وامنحْها الراحة. ولماذا لا تشتغل، وأنت جالس، كمثل فلكي، بخريطةِ السماء؟
لا تزال نجومها تنتظر من يحرث ومن يزْرع
مع أن الحصاد هنا كذلك لا يؤخذ إلا حرْباً. أعطِ هذه البغلةْ لِسفينة تمخر في الحنجرة، أوْ لِرِأس ليس إلا حلبة للِرقْص
يكفي أن تصْغي لمِن يروي كيف تصف ملاعِق الجنْة فوق موائد تتنقل على أفخاذ الكواكب، أو كيف يفرش النْاس بأِهدابِهم دروب السياسة
تقتفي الأرض خطواتِ ورق يقْتفي الغيب
أمر بِحفْرِ خنْدق للرؤوسِ التي ضرِبت اليوم
بشر يعيشون ويفكْرون كأنهم لا يعرفون
أن يغسلوا وجوههم إِلا بالدم
في الطريق التي تصِل شرْقه بِغرْبه، هنا في طنجة، في (قصْر المجاز)، كان يسير كمن يتسلق جِذْع تاريخ يتسلق القيقْلان(1)
(نزهة قصيرة على فرس الموج)، قال صديقه(2)، مشيراً إلى المسافة التي عبرها طارِق(3)، لكي يؤسس الأندلس
أخذ يشعر، هو الحاضر الحي، كأنه ليس إلا ماضياً
وتراءى له الوطن كمثل ورق يتطاير في الجهاتِ كلها
وما هذه الأيام التي تقْتل في الصوم والنوم؟
وما هذه الشوارع التي يزدردها العصر؟
ورأى، بين (قصْر المجاز) وأشْلاء بغداد، كيف تتحول بلاد العرب إلى معسْكر لِغرْب الحديد، وإلى مشْفى تُقطّع فيه أطراف المستقبل
فقْر يلْتهِم العقْل
سراب يضلل الماء
البشر أرقام وألفاظ
أصْغوا: قائِد يخطب كأنه اْبتلع تِنينا. لا تصْغوا
الرحيق في التراب لا في الكتاب. الورد في الحقْل، لا في الهْيكل. ويكاد الهواء أن يخْتنقِ من دخانِ الكلام
وحمْداً لابتكارنا حمْدا لِلصفْر
كاد أن ينْسلخ من نفسه
وخيّل إليه أن قبْلة عالِقة في ذلك الفراغ، بين (طريفة) و(قصر المجاز)، قبلة عجوزاً، ترفض الهبوط على شفتيْ البحْر أو اليابِسة
ورأى على رصيفِ ما تبقى من (قصر المجاز) قوارب صيْد تبدو كأنها بقايا مذنبات ارتطمتْ، مِن هنيهة، بالصخر والمْوج
حوْلها أشباح صيْادين يسألونها: ما الأبدية، وما هذا الطفل الزمن؟
رمْل على الشاطئ يتشهى أقدام النساء، فيما يعانِق أجنحة النوارس. موج ينافِس أعناق الغيومِ تحت شمْسي تؤرْجحها اللذة في سرير الفضاء
والضوء
كمثل عقْل يفْتح أحشاءه لماء الغريزة
عدْ ثانِية إلى الرأسِ، أيها الحلم، وأنتِ، أيتها السياسة، ألم تتْعبي من الخْبطِ بين الأشلاء تحت مظلةِ حاكم ينام حمامةً ويسْتيقظ ذئباً؟ ويكاد ذلك الشاعر المسافِر أن يسأل طارِقاً: ولماذا نجحت لكي تقْتل؟ ويكاد أن يصرخ باسمه: ألم تتْعبي، أيتها العروبة، مِن غزْلِ مِنديلكِ بِالدْم، ومن الغِناء لِسلالةِ الهباء؟
تقْتفي الأرض خطواتِ ورق يقتفي الغيْب
العروش حِساء أحمر
التاريخ، توابِل مِن المالِ والمني والملْك
كلا، لا طريق إلا كلا
هجنا من طنْجة التي تضع قدماً في المتوسط وقدما في الأطْلسي، كما لا يتيّسر إلا لمِدينةٍ لم تخلق على مثال، يحْتضِن الشاعِر العالم الذي تئِن اللْغة العربية في أرجائه، ويكاد أن ينزوي في غصن (قيقلان) كمثل عصفورٍ ضلّ طريقه، أو أنْ ينام على وسادة ليست إلا حجراً فينيقياً
وليس فينيقيا التي تأْبّد فيها الغرْب، أكثر من خرْبةٍ في هذا الشرق
انْتحبِي أيتها الأبجدية، ما شئتِ. لن يصغي إليكِ إلا الحجر والعذاب. يتوقّع الشاعرُ انهيارك أيضاً وأيضاً، أيها العلم. يتوقّع أنْ تنْقلب أشجارك إلى أجراس من اللهب. أن تصير كل حصاة فيك لوحاً مكتوباً بالدمع
ومِن أين يجيء هذا الأفق الذي لا يعرف أن يقرأه إلا الرماد؟
اعترض هذا الشاعِر، عارِضْه أيها الشارِع
اعمل شيئاً يكذّب يديه وعينيه. شيئاً يبْطِل كلماتهِ. تمرّدْ، وانْقضْه. ينتظرك حتى في قرونِ المخيلة. يترصدك حتى في دفْترِ الغيم واحتفاء بما يحرضك عليه، سيحضن من أجلك التوهم، ويصفق للِمِعجزة
تقْتفي الأرض خطواتِ ورق يقتفي الغيب
لماذا تسْتمّر في سباتك أيها السيد العمل؟
أشباح تسنّ أظافرها وتغرسها في بلاط الشوارع
من أين لك هذا الإكليل المدمى، يا رأس التاريخ؟
أيام تولد في القراص والطحلب. لها طبول تكاد
أصواتها أنْ تثقب حتْى أذن البحر المْيت
وكلْ شيء صنْبور يقطر صدأً
أيام يتنقل فيها هذا الشاعر على مهل كأنه أخ للِشجر والحجر. غير أنه يتعلّم حكمة الضوء، فيما يرى الأزقة والبيوت كأنها قبور لأنْفاسِ البشر. لكن، كيف يخلق لمعناه صورة لكي يحل في اللغة حلول الملح في الخبز؟
وكيف يقنع هذا العالم أن الورق هو، وحده، أب لحقائقه؟
ريح تنقر على الجدران. ريح تبكي في نواقيس الوقت
ريح يجسّ أطرافها وسترتها لعله يعرف هلال حيْضِها، ويبْصِر جنين الأحشاء
خذيهِ إليكِ، يا أرض الصور. هل بقيت في فراشكِ وسادة لرأس لم يعد يعرف النوم؟ هل تغفرين لجِسدي كل عِصْم إلا عِصْم الخطيئة؟
وكيف يعثر على نفسهِ فيكِ؟
نقّحْ ليلك بليلِ امرأة ذائبة في جحيمها
هذّب جسدك بِفتنة الحجب
ساعة تتدلى على حائطِ المعنى، ترتّل عقْرب الخرافات
لن تجِد مفراً من رؤية الرمل يتسلّق الفضاء
(يمكنك أن تداعِب جذْر الخشخاش)، يقول ولي أمرك، أو أن تنطرح على وسادته. آنذاك، يدخل الصوان في صورة الماء، وتلبس البقرة صورة الفراشة
هل تحبين، أيتها الطبيعة، هذا التحول؟
عالم سفينة تجنح في محيط المعنى
فلك يموت، يجهل كيف يكتب وصاياه
كل شيء ملْدوغ بِعقْرب نهاياته
حلزون يرفع قرْنيهِ ويشكّهما في إسْفنْج الهواء
ما أطول الجهد الذي يبذله الإنسان لكي يصير إنساناً
الأفق يتجرع السم، شاهداً على الخوف
في الهواء والماء والعشب، يولد الخوف. خوف الساكنين من بيوتهم التي رفعوها، خوف المسافر من طريقه. خوف الجسد من رأسهِ ومن يديه
لكن، هيهاتِ أن يترجل القمر لكي يقنع الناظرين إليه بأرواحهم أنه تراب كأخته الأرض. ولا ماء فيه، لا عشب، مع أنْهم يؤكدون أنه مأهول بالملائكة وخِرافهِا
خوفاً، جاء الحزن إلي، آخِر الليل. جلس إلى جواري كأنه طفل نجمة ماتت
افتح لي ذراعيك، أيها الطفل
كيف تكون وطناً هذه الكرة التي تتعثر فوقها خطوات الأطفال؟
رأس الزمن ينكسر، ويكاد أن يتفتت على مائدة الأبدية
خوفاً، ترتجف اللغة بين يدي المعجم
لوّن، أيها الدمُ، هذه اللوحةَ التي تُسمّى الأرض
ثِيرانٌ هِي الأمكنة، والسماء قبعة للِمصارعين
ثمة حصاد ليست سنابله إلا رؤوساً. ثمة بشر يجلسون للِراحة على هذه السْنابل. وأسمع من يصيح نائِحاً: أين أفجّر هذه القنبلة؟ متى تجيء الأجنحة التي ستطير بي؟
قضبان حديد على أبواب الأفق، والوجوه وراءها كمثل كرات مثْقوبة
لا أعرف أن أحيي هذا العالم. هل علي أن أغير شفتي؟
هل علي أن أبتكر قلبا آخر، وأحمل رأسا آخر؟
ألن تقولي شيئاً، أيتها العِبر التي تتموج في نهْر التاريخ، وتكاد أن تصير طوفاناً؟
كيف تمكن الحياة على أرْض لا يتكلم فيها أحد غير السماء؟
هل تريدين، أنتِ كذلك أيتها العشبة أن أدلّكِ على الماء؟
لم أفكر في أن أتحوّل إلى ذئب، فيما كنت أنظر إلى قمر التاريخ يتقدم في غابة الليل. فكّرت في القمر نفسه، مصغياً إلى نشيد سفر في صياح ديك يرسم قنْزعته على جبل الصوت. وكان الصوت لهباً في حنجرة المدينة
انفجر دارج اللغة في فصيحها، واشتعلتْ شيباً رؤوس المعاجم، فيما كان القمر يستقر في فراشهِ، بعد أن تنقّل طويلاً في عربة من أحْلام القتْلى
يكفي أن تخرج الأرض من ثقب في مؤخرة الكلمة
حسن أن تكون دال المدنِ هدْهداً
ضلّ طريقه إلى سليمان
تكاد حِيتان التوهّم أن تبتلع هذه المدن
كلا، لا أريد أن أخلق أي التباس. هكذا لا أريد أن أمجّد محاسن الكولا، أو مزايا البيبسي. أريد أن أعير مِشْطي إلى الليل لكي يرتب شعره، عندما يستيقظ من نومهِ في مدينة بيروت
خصوصاً أن التاريخ أرْجأ سؤاله الذي يريد أن يطرحه عليها
غالباً تسيل الأجوبة دما يبدو كأنه يتدفق من عنق الشمس
لن آسف إن كنت لا أستطيع أن أقلب التحية إلى عصا أو هذه إلى تلك
والويل من هذه اليد التي تحتقر الكبد
ولماذا لا يكون الإنسان كالريح، يملك الفضاء
كلّه، ولا ملْك له؟
وكيف أقول: وداعاً،
للأشخاصِ الذين كنتهم،
لتلك الأطياف المتعددة التي يتعذّر عليّ أن أحْصيِها؟
ما أنْحل جسمكِ، أيْتها الأرض، يا أرضي، وما أحنّ اصفرار وجهكِ الكريم
يكاد جلدي أن يلْتصِق بِجلدكِ، فيما أرى إلى الزمن العربي يدور في معْصمكِ، كمثلِ سوارٍ مكسور
والعجب أنْ الكواكب التي كان شعراؤنا القدامى يخاطبونها، وتصغي إليهم، نسيتْنا مع أنْ يد الله، منذ بدء التكوين، كانت معنا، ولا تزال
مِن جديد تقرأ الغيوب كفّ شاعر تؤكّد أن الحيتان لا تحيا ولا تسبح إلا في كتب سبحتْ هي نفسها في بحيراتِ الغي
إلى كتلِ الثلج التي تكْتنز بها آخر الغيوم العربية، إلى الرْعد والماء، الشجر والعشب، إلى القمر أسيراً بين فخذين، والشمس طليقة بين نهدين،
و إلى ما تبقّى من الأشياء التي لا أسماء لها، أرفع هذا النصْب،
محفوفاً بآلات السفر وآلائه،
يمسْرحه غسق اللغة،
وتزكّيه جوقة موسيقى تجيء من حناجر غامضة،
في تاريخ يكتبه صدأ المعنى
لوّنْ، لوّنْ أيها الدمُ
هذه اللوحةَ التي نُسميها الأرض
للشاعر ... ادونيس
انا جودي