الفكر والشعور في الشعر
- لقد مهدتُ في المقال السابق إلى مسألة ( الفكر والشعور في الشعر) وقلتُ أنّ هناك سؤالٌ لا بد أن نطرحه وهو , هل الشعر يصدر عن الفكر أم عن الشعور أي هل يخضع الشعر إلى منطق العقل أم يتجاوزه إلى ما وراء المعقول؟
- وقد رأينا أنّ هذه المسألة كانت ساحةً للسجال والنقاش والجدل بين النقاد والفلاسفة والباحثين وتصلوا في النهاية إلى فكرة مفادها:
( الشعر يعبر عن الشعور لذلك لا يمكنه أن يخضع للمنطق والعقل , ولا يمكننا أن نقول أنّ الشاعر هنا أخطأ أو أصاب لأنه يصف شعوره , فالشاعر عندما يقدم فكرة نستطيع أن نحكم على فكرتها بالخطأ أو الصواب , أما الشعور فلا يمكن ضبطه)
- ولكي نفصِّل في هذه المسألة بشكلٍ ملموس علينا أن ندرس هذه الظاهرة ( أي الشعر) دراسةً علمية منهجية لنصل إلى نتائج ملحوظة في هذا المجال المعرفي.
- كيف يصل الإنسان إلى مرحلة إبداع الشعر؟
- كي يصل الإنسان إلى مرحلة إبداع الشعر , لابد أن يخضع للنشاط المعرفي , فالإنسان مخلوقٌ قابلٌ للتعلُّم نزّاع للمعرفة و يقسم النشاط المعرفي عند الإنسان إلى مرحلتين:
1ً- مرحلة ( التلقي , التعلم , الأخذ , التثقيف) وهذا المرحلة يمكن أن نطلق عليها ( مرحلة استهلاك المعرفة)
ففي هذه المرحلة نجد العلم جاهزاً ونقوم بالأخذ منه والنهل من شتى ميادينه وهي بالتالي تؤدي إلى تكوين ما يسمى ( الفكر عند الإنسان) فبدون هذه المرحلة لا يمكن أن يمتلك الإنسان فكراً ناضجاً واعياً .
2ً- مرحلة ( الإبداع , العطاء , الإنتاج) ففي هذه المرحلة يقوم الإنسان بعد أن يختمر ويترسخ الفكر لديه
بإبداع والإبداع هو كلمةٌ آتيةٌ من ( البدعة) أي أن آتي بشيء من العدم لم يكن له وجودٌ بالأصل , فكل ما هو موجود هو إبداع لأنه بالأصل لم يكن موجوداً,
وهنا ندخل في عمق الموضوع بما أنّ الإبداع يحدث من العدم فلماذا على الإنسان أن يتثقف ويتعلم
في هذه النقطة تكمن مسألة الفكر والشعور.
الفكر كما قلنا هو حصيلة ما أخذناه وتعلمناه وتثقفناه هذه الأفكار تدخل إلى غرفة ذاكرتنا وتتكدس فوق بعضها البعض وعند خوض الإنسان في الحياة ومن خلال التجربة الذاتية تتولد لدى الإنسان مشاعرٌ محددة في المواقف المحددة فهذه الأفكار تتنحى جانباً لتدع الشعور هو الذي يختار منها ما تناسب هذا الموقف أو ذاك وهنا يكمن الإبداع لأنني لم آتي بتلك الأفكار كما أخذتها وإنما تدخل الشعور لدي في هذه الأفكار وبامتزاج هذه الأفكار مع المشاعر نتج شيٌْ آخر ليست بأفكار ولا بشعورٍ مجرد وإنما تمازج حقيقي بينهما
- هذا الشعر يصدر عن الفكر والشعور معاً ولكن ليس كما يتصوره البعض أنه يصدر بشكل إرادي , وإنما هناك علاقة حقيقية بين (الشعر والإلهام ) أي أن تلك المرحلة التي يصدر فيها الشعر عن الإنسان من خلال أفكاره المخزنة وشعوره العالي يمكن أن نسميها بمرحلة ( الإلهام) حيث يدخل الإنسان إلى حيّز يرتفع فيها من كونها بشراً ليسمى إلى مرحلةٍ عالية وهي ( الشاعر) لذلك كما قلتُ سابقاً أن أرسطو رفع الشاعر إلى مرتبة ما فوق الفيلسوف ( والفلسفة كما نعلم هي أمُّ العلوم كما يصفها العلماء والباحثون) أي أن الشاعر هو أقدر من الفيلسوف نفسه في أن يفهم ويشعر بالحياة أكثر من الفيلسوف نفسه .
- وأريد أن أرد في نهاية مقال على ما أورده الصديق العزيز (cudi) بأن الشعر يصدر عن الفكر والشعور أيضاً وأنا أوافقه الرأي ولكن مع تغليب الشعور على الفكر فلا شعر بدون فكر وكذلك لا فكر بدون شعور .
- أمّا الشاعر الصيني كما تحدثت الذي أشعل الطلقة الأولى لقيام أعظم ثورة في الصين , فأنا أقول ليس الفكر الذي حرك الجماهير وإنما المشاعر التي أثارها هذا الشاعر في الجماهير هي التي حركته , وأذكر على سبيل المثال : الخطابات التي كان يطلقها النازي ( هتلر) وكانت ذو تأثير كبير على الجماهير مما دفعها للسير وراؤه حتى إلى القتل والتدمير فلو أن الجماهير نظرت إلى ما تحمله تلك الخطابات مما تحتويه من أحقاد وكره وبذور للشر ( أي من ناحية الفكر) لما ساروا وراؤه , ولكنهم ساروا وراء مشاعرهم .
- وفي نهاية مقالي هذا أقول إن الشعر لا يجب أن يعبر عن فكرٍ مدروس ومسيّس أو أيدلوجية معينة وذلك لأنه سيفقد الكثير من القيم الجمالية و إن أحدهم يريد أن يقحم الفكر في الشعر لأجل الفكر فبإمكانه أن يلجأ للنثر والنصوص الأدبية وفن الخطابة لأنه ستخدمه بشكل أو بآخر في موضوعه أكثر من الشعر وأختتم هذه المقال بما قاله أدونيس ( كما العطر تفوح من الورد هكذا يجب ان يفوح الفكر من الشعر ) ولكن ليست من الزاوية التي نظرت إليها صديقي جودي وإنما من زاوية أننا نشعر بعطر الورد أكثر من أن نفكر فيه ألست معي فيما أراه؟؟؟
- وأخيراً أتمنى أن أرى تفاعلاً وأراءً منطقية حول هذا المقال وكذلك أتمنى الفائدة لكل أعضاء كوليلك.
m.b غيفارا