الرجل والمرأة.. والرباط المقدس

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 12 سنة 41 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 09/06/2007

مند اقدم العصور ، وحتى يومنا هذا ، لا تزال الحرب الباردة بين الرجال والنساء دائرة الرحى ، مستعرة الأوار ، ولم تكن هذه الحرب لتتوقف ، وأظنها لن تتوقف ، بل ستبقى سجالا بينهما الى ان يرث اللّه الأرض ومن عليها.
في كل يوم - تقريبا - تطالعنا الصحف والمجلات بموضوع او مقالة يهاجم الرجل فيها المرأة ، او ان المرأة تهاجم الرجل ، وهكذا دواليك ، ولم يتوقف الأمر على المقروء ، بل تعداه الى المرئي والمسموع ، ودليلنا على ذلك ما نراه على شاشات الفضائيات من برامج ولقاءات وحوارات ، شغلت بال الناس بحقوق المرأة ، وبضرورة مساواتها بالرجل ، وكثيرا ما نسمع في تلك الحوارات ، تلك الدعاوى التي يتهم فيها الرجل بالتسلط والجبروت ، وبأنه غير منصف للمرأة ، وأنه قد بخسها ولا يزال يبخسها حقها ، هكذا - عيني عينك - .
والحقيقة اننا لو فتشنا جيدا ، وسعينا جاهدين لمعرفة الاسباب الكامنة وراء هذه الحرب الضروس ، لوجدنا ان كلا منهما - الرجل والمرأة - قد بنى آراءه على أسس شخصية ، ومن وجهة نظر فردية ، ولكنه وفي لحظة غضب هاجم بشكل جماعي.
رجل صدم بامرأة جعلت حياته جحيما لا يطاق ، فظن ان كل النساء على شاكلتها ، فأخذته العزة بالإثم ، ودون ان يتروى أمسك بقلمه ، وكتب يهاجم النساء كافة ، واصفا إياهن بأقذع الصفات.
وعلى الجانب الآخر ، نجد ان امرأة ما صدمت هي الاخرى بالرجل ، بزوج او اب او اخ اذاقها شتى انواع العذاب ، فضاقت بها الدنيا على رحابتها ، فما كان منها هي الاخرى ، الا ان امتشقت حسامها - القلم - ، وكتبت تهاجم الرجال على المطلق ، واصفة وإياهم بالقسوة ، والانانية والجبروت ، وهضم حقوق الانثى.
اذن هي نظرة فردية ، سادت فيها وتحكمت بها الاثرة دون الايثار ، والانا والخصوصصية ، فأصبحت كل الاسس والمبادئ في حيثيات اصدار الاحكام ، من كلا الطرفين على الطرف الآخر.
لقد كثر الجدل وطال ، وأصبحت القضية ، اشبه بالسؤال الذي يقول: «من الذي وجد اولا.. البيضة ام الدجاجة؟» وهنا ، لا بد لنا ان نتساءل، ترى من المخطئ .. الرجل او المرأة؟
وإنني اقولها كلمة حق ، بأننا لو جردنا انفسنا من الانانية ، وألقينا بالمصالح الشخصية جانبا ، وأقررنا ببشريتنا المعرضة للخطأ والصواب ، لتغيرت احكامنا على الامور ، ولأصبحت اكثر واقعية ، وأكثر عمقا وصدقا ، ولكنا بالتالي صُنا انفسنا عن النقد المتبادل ، وتوجيده الاتهامات من طرف للطرف الآخر.
لقد خلق اللّه الكون ، ولحكمة لا يعلمها الا هو ، قدر ان يجعل فيها خليفة ، بمعنى ان يكون فيها اقوام يخلفون بعضهم بعضا ، في عمارة الأرض ، قال تعالى «واذ قال ربك اني جاعل في الأرض خليفة» (البقرة: 30) ، وهذا الخليفة هو «آدم» عليه السلام - الرجل - ، الذي علمه اللّه الاسماء كلها ، وأسجد له الملائكة - تكريما لا تعظيما - وأسكنه الجنة.
وحتى تكون الخلافة بالصورة التي شاءها اللّه سبحانه وتعالى ، ومن اجل تعاقب الخلق ، فقد خلق اللّه حواء - المرأة - من نفس آدم - الرجل - ، فهي اذن جزء لا يتجزأ منه ، والجزء بطبيعة الحال تابع للاصل ، ومماثل له في الخصائص والصفات ، مع اختلاف في بعض مكونات الجزء ، وذلك تماشيا مع طبيعة المهمة التي ستناط بكل منهما.
وفي خلق حواء من آدم ، هناك حكمة اخرى ، فهي كونها جزءا منه ، فلا شك انه سيعتني بها ، ويظلل عليها ، ويحميها من عوادي الزمن ، وسيبذل قصارى جهده لتوفير كل سبل الراحة والسعادة والحياة الهانئة لها ، كيف لا؟ وهي جزء منه،، وهما معا أشبه بالجسد الواحد ، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وأما الحكمة الاسمى في خلقها - حواء - ، فهي من اجل ان تكون له سكنا ، مصداقا لقوله تعالى «ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» (الروم: 21). والسكن من السكينة والهدوء ، وهو الطمأنينة والاستقرار ، وهو المكان الآمن الذي يأوي إليه الانسان ليجد فيه راحته النفسية ، والجسدية ، فالمرأة اذن هي السكن للرجل ، يلجأ إليها بعد عناء يوم طويل ، يقاسي فيه المشقات من اجل لقمة العيش ، فيجد عندنا كل ما يخفف عنه اعباء الحياة ، وما يمسح عن جبينه قسوة الايام ، وما يعطيه دفعة جديدة من النشاط ليواصل مشواره من جديد ، وليكون اكثر عطاء ، وأكثر قدرة على تحمل المصاعب والعقبات.
والمرأة بطبيعة الحال تفعل كل ذلك بعطفها ، وحنانها ، ورقتها ، وأنوثتها ، ولانها جزء من الرجل ، خلقت لهذه المهمة ، ولا شك بأنه اذا تعب الاصل ، او لحقه الاذى ، فإن الجزء «المرأة» ستقاسي وستتألم ، وستكون مضطرة لخوض معترك الحياة الى جانبه ، او انها ستواجه الرياح العاتية لوحدها ، وفي ذلك مشقات ومشقات ، لن تتمكن من تحملها ، وما من شك في ان طبيعة تكوين الرجل الخشنة ، جعلته أقدر على مواجهة التحديات ، وعلى القيام بالاعمال الشاقة ، اما المرأة ، فقد خلقت لينة هينة رقيقة ، لتكون قادرة على مسح الآلام وزرع البسمات على الشفاه.
نعم ، ان المرأة هي قطرات الماء الندية ، تسقي شجرة عطشى ، فتدب فيها الحياة من جديد ، لتورق وتزهر وتعطي الثمر والظلال ، ولا ينكر احد ، ان هناك بين الزوجين - الرجل والمرأة - رباطا مقدسا ، وعرى لا تنفصم ، وعوامل مشتركة ، ويتحتم على كل منهما ان يقوم بدوره فيها ، وان يؤدي مهمته على أكمل وجه ، باخلاص واتقان ، وان يترفع عن الانانية والفردية ، وان يعطي بسخاء دون منّ او اذى ، كل فيما يخصه ، وان يكون العطاء غير مشروط ، لان غاية وجود كل منهما ان يعطي بلا استعلاء ، ولا تسلط ، ولا قهر او تجبر ، فالعطاء المشروط يفقد لذته وقيمته ، ويغدو اشبه بثمرة جميلة لا طعم لها ، او زهرة يانعة ناصعة لا رائحة فها ، او شجرة تتطاول نحو السماء لا ثمر ولا ظلال،، فالمودة والرحمة ، والتواصل والرفق واللين والايثار.. هي سمات الرباط المقدس الذي يجمع الزوجين - الرجل والمرأة.

كلنا تحت السماء